توجه المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​، برسالة الجمعة إلى ال​لبنان​يين لهذا الأسبوع بالقول: "لأنه شهر الله الأكبر، فقد سماه نبينا الأكرم بشهر التوبة والإنابة والرجاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلا عن كونه شهر الجهاد، بكافة ​الميادين​ وأنواعها، ثم أسس على ذلك ضرورة القيام بالمشروع الإلهي، وهو مشروع القرآن والنبوة، كأساس بإطار سلوك ​الإنسان​ ومواقع التجربة والأخلاقيات، ومن باب أن الإنسان، بل كل الكون وما فيه هو مملوك لله الواحد. وعليه، فكرة التمرد، فكرة العبثية والانحراف، تشكل أزمة متفاقمة في ضمير الإنسان. من هنا أيها الإخوة الأعزاء، إن هذا الشهر هو فرصة سانحة نادرة في عالم الفرص الإلهية، فرصة خاصة، فتح الله فيها أبواب سماواته وأرجاء رحماته لأهل الأرض، علهم يخرجون من تعب المادة وثقلها وهياكلها، إلى رحاب الأرواح المؤلفة، إلى رحاب السماوات، بكل ما فيها من فيوضات وأسباب معنوية وعطايا روحية، تغسل باطن هذا الإنسان وطريقة تفكيره، ليتمكن من خوض معركة أهداف وجوده في عالم الأرض".

وأشار المفتي قبلان إلى "أن نوع ​السلطة​ وبرامجها و​البيئة​ الاجتماعية، والثقافية وكل أشكالها يؤثر جدا في مصير الإنسان، قد يكون سلبا وقد يكون إيجابا، ما يعني أن بناء الإنسان يفترض بناء السلطة و​الدولة​ والمشروع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحمائي، وإلا ضاع الإنسان. وهو ما نعاني منه الآن وبشدة، ليس لأن السلطة الآن مشلولة، بل لأن الحكومات الماضية، حكومات 1992 حتى اليوم تعاني بشدة من فشل في الرؤية لتأسيس الدولة ومشروعها، لدرجة إذا راجعنا الماضي القريب نجد أن الحكومات السابقة تعاملت مع الدولة كإرث شخصي، كمنجم، كتجارة، كمعارك شخصية، ما حول الدولة والمرافق والمؤسسات العامة إلى مزرعة".

وأعلن "أننا الآن أمام دولة هشة للغاية، أمام سلطة تعاني من تراكم الأزمات، كل ذلك لا يجيز للدولة أن تتعامل مع المواطن كفريسة للضريبة والرسوم، أو أن تنهش بهذا المواطن. فالمطلوب من ​الحكومة​ اليوم إثبات وجودها، المطلوب منها إنقاذ ناسها وأسواقها من وحوش الأزمات والأقنعة النافذة، المطلوب من الحكومة إثبات فعاليتها في الأسواق وفي ​الكهرباء​ وفي ​النفايات​، والاستيراد والانعاش ومراقبة الأسعار، مطلوب منها تنفيذ برامج إنقاذ ولو أولية، في بلد ينهار، المطلوب منها تطبيق القوانين على دويلات ​المصارف​ التي تتعامل مع ودائع الناس كمافيا، لأن حكومة اليوم مشلولة بشدة، لا لأنها لا تملك الأدوات والإمكانيات، بل لأنها مشتتة ومستهترة ومتخبطة وناسها يعيشون أسوأ لحظات الانهيارات ​المال​ية والنقدية".

كما طالب الحكومة "بتنفيذ وعودها باسترداد المال العام، وجر حيتان الحكومات السابقة وموظفيها الكبار ومسؤوليها الغارقين في نهب الدولة ومرافقها ومؤسساتها، لأن البلد ينهار والناس تحتضر والجوع أصبح شاملا عاما على كل الناس، والتجار الموجودون في البلد للأسف أصبحوا لا دين لهم ولا ضمير لهم ولا أخلاق لهم، يمارسون غزواتهم التجارية كأسوأ من أي حرب، فيما القوى السياسية تلوذ بالصمت، وتهرب إلى الأمام وتتراجع تراجعا مريبا. ومع أننا من خيار التغيير بال​سياسة​، لكن هل تعتقدون أن وضع الدولة في علبة الصندوق الدولي سيجدي لنا نفعا! ولدولتنا نفعا! واهم من يعتقد أن ​صندوق النقد​ الدولي هو خيار صحيح، قياسا على لبنان وظروفه وهويته، وهوية من يأخذ القرار في صندوق النقد، إلا أن جماعة اللعب ب​السياسة​ لا يرون طريقة أفضل من ترك البلد يحترق بالجوع والوجع والبؤس واليأس والجريمة و​البطالة​ والتضخم، عل شعب هذا البلد يموت من الصمت والضياع، وعلى قول أحدهم "حرر سعر الصرف ما حدا بموت من الجوع"، لأنه شبع من النهب والصفقات والهندسات المالية والكمبيالات الوهمية".

وتوجه قبلان إلى السياسيين بالقول: "أنقذوا البلد، أنقذوا ودائع الناس، أنقذوا أسواق الناس، أنقذوا أمل الناس، أنقذوا الجوعى والشعب من حيتان الأسعار، أنقذوا ​الليرة​ لأن وجود القوى السياسية ومشروع الدولة وخريطة البلد اليوم رهين بالليرة وقوتها وعدم اللعب بسعر الصرف وإذا طارت الليرة أو بقيت منهارة كما هي الآن، فإن البلد والقوى السياسية ستنهار والأيام ستكون شواهد على هذا الانهيار".