قالها رئيس حزب القوات ال​لبنان​ية ​سمير جعجع​ بالفم الملآن ان ليس هناك من جبهة معارضة، وان اسباب توحّد المعارضة غير موجودة. هذا "النعي" لها، ادى الى ظهور "معارضات" فردية منقسمة الاهداف، فمنها من يهاجم ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ و​الحكومة​ معاً، ومنها من يستهدف عون، ومنها من يستهدف الحكومة، ومنها من فضّل "تمرير الوقت" بأقل قدر ممكن من الخسائر. لا شك ان فرص نجاح المعارضين تضاءلت بشكل كبير في غياب تجمّعهم واتفاقهم على رؤية واحدة وهدف واحد، والحقيقة تقال ان الهجوم الفردي قد يؤدي الى شيء ما، ولكنه يبقى قليلاً جداً نسبة الى ما يمكن ان يتحقق لو كانت الاطراف المعارضة موحدة. فمن معارضة جعجع بعد الاجتماع الاقتصادي-المالي في ​بعبدا​ ل​سياسة​ العهد ولعمل الحكومة، الى معارضة "​تيار المستقبل​" للعهد والحكومة معاً، الى كلام رئيس ​تيار المردة​ ​سليمان فرنجية​ الاخير، دون ان ننسى نادي رؤساء الحكومات السابقين، كلها اتت فردية ولم تؤد الهدف منها.

هذا الامر يصب في مصلحة العهد والحكومة على حد سواء، فغض النظر عن السجالات والمماحكات ومن هو صاحب الحق، فإنه بات واضحاً ان الرهانات السياسية للمعارضة، اقله في المدى المنظور، كانت خاطئة، ويكفي متابعة ما يصيب المعارضين، كل في موقعه وبيئته، وما يقال على لسان السفراء والمسؤولين الغربيين، لمعرفة ان شيئاً ما قد تغيّر في طريقة التعاطي مع الوضع اللبناني، لانه كان من بالغ السهولة في السابق جمع المعارضين تحت سقف واحد وتحت هدف واحد، فيما اليوم باتت المسألة معقدة وتحتاج الى مفاوضات وتنازلات وحسابات صغيرة وكبيرة. هذا الامر لا يعني ان العهد والحكومة منزهان عن الخطأ والاتهام، ولكنه يعني ان المعارضين باتوا منشغلين بما يصيب كل منهم، وان تركيزهم بات ينصبّ على ذلك بدل الاهتمام بالامور الاساسية الكبيرة التي قد ينجح الجهد في اجراء تغييرات فيها. لذلك، يبرز مرة جديدة الرهان على الخارج ان من الناحية السياسية (الدول الكبرى وعبرها ​الدول العربية​)، او من الناحية الاقتصادية والمالية (​صندوق النقد الدولي​ الذي يضع بطبيعة الحال اهمية كبيرة لآراء الدول الخارجية الرئيسية، والذي سيضع شروطاً قاسية ولكنها ليست مستحيلة، لاعادة لبنان الى مسار استعادة وضعه الطبيعي)، هذا الرهان سيعطي من يفوز به افضلية كبيرة في تسيير شؤون البلد، فإن كان الفوز للعهد والحكومة، سيعاني المعارضون من ضربات متتالية وسيضعفون اكثر واكثر سياسياً وشعبياً. اما في حال حصول العكس، فستكون ضربة قوية لعون الذي لم ينجح بعد في استلام دفّة البلد كما يجب، فيما سيكون رئيس الحكومة ​حسان دياب​ الاكثر تضرراً من جراء الخسارة لانه سيكون على حافة الهاوية السياسية من جهة، والتاريخية من جهة ثانية، وستكون فرصه في تجسيد دور رئيس الحكومة السابق ​سليم الحص​ واثبات نفسه لمعارضيه وللعالم انه قادر على مواجهة التحديات والصعوبات والعودة الى بيئته وطائفته منتصراً، كحظوظ ابليس في الجنة.

اللافت حتى اليوم هو ان حصون العهد والحكومة لا تزال صامدة امام هجمات المعارضين المتفرقة، ومن المرجح ان تبقى كذلك طالما بقيت الاوضاع على حالها، ولكن الموضوع قد يتغيّر كلياً اذا توالت الردود والمواقف السلبية على الطلبات الرسمية اللبنانية، وغني عن القول ان اي رد ايجابي من صندوق النقد الدولي، من شأنه ان يؤشر الى قبول سياسي دولي بالحكومة الحالية، ويحد من اي طموح في جمع المعارضين، وسيمعن في تفرّقهم وتشتيتهم، لانه في هذه الحالة، لن تجمعهم المصيبة، بل سيبحثون عن "قوارب النجاة" لانقاذ ما يمكن انقاذه.