إن أي مراقب لمسار التطورات ​المال​ية والاقتصادية في ​لبنان​ يُدرك بأن هذا البلد ينزلق بشكل متسارع إلى قعر البئر، كما ان كل المعطيات تُشير أيضاً بأن الأمور في لبنان ذاهبة إلى مزيد من الكباش السياسي الذي يزيد طينة تدهور الأوضاع المعيشية لدى شرائح واسعة من اللبنانيين بلة.

ليس سراً ان أفق الحلول مقفلة، وان أبواب ال​مساعدات​ الخارجية مؤصدة لأسباب متعددة منها ما هو ناجم عن استمرار الضغوط الدولية وتحديداً الأميركية على لبنان واستخدام ​واشنطن​ الفيتو في مواجهة أي مساعدات أوروبية أو عربية، ومنها ما هو ناتج عن الآفة الاقتصادية والمالية التي ضربت معظم ​العالم​ نتيجة تفشي وباء ​كورونا​ والتكاليف الباهظة التي دفعتها الدول لاحتواء هذا الوباء.

امام هذا المشهد فإن لبنان يتعامل مع النافذة الوحيدة المفتوحة عليه وهو ​صندوق النقد​ الدولي على انه خشبة الخلاص المتاحة راهناً لمساعدته على الصمود امام الرياح المالية والاقتصادية العاتية التي تعصف به منذ مُـدّة طويلة وهي وصلت إلى مرحلة باتت تهدده بالانهيار الكامل.

الجهات الدولية ما تزال على موقفها من عدم الثقة بلبنان لجهة التزاماته وتعهداته

صحيح ان الحكومة طلبت النجدة من ​صندوق النقد الدولي​ وان المفاوضات بين لبنان والصندوق حول برنامج المساعدة سيبدأ اليوم انطلاقاً من الخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة الأسبوع الفائت، فإن ذلك لا يعني ان المساعدات قد باتت في جيب ​الحكومة اللبنانية​ أو في خزائنها، ذلك ان المؤشرات المتوافرة ما تزال غير مريحة، وهي توحي بأن طريق هذه المفاوضات لن تكون مزروعة بالورود، بل ستكون وعرة وشائكة خصوصاً وانه ظهرت في الأيام القليلة تلميحات تعكس عدم الرضى المطلوب من الصندوق على خطة الحكومة.

وبحسب ما هو متوافر من معلومات فإن نتائج المفاوضات هذه لن تظهر في وقت قريب، وان هناك مخاوف من دخول العامل السياسي والمزاج الدولي على خط عملية التفاوض، ومن شأن ذلك ان يعرقل هذه العملية ما لم نقل ينسفها بالكامل.

ووفق المعلومات فإن محادثات وفد الصندوق الذي سيمكث في ​بيروت​ لثلاثة أيام حول الخطة الإصلاحية التي أقرّتها الحكومة وهي تنتظر ​مجلس النواب​ للانعقاد للمصادقة عليها، وسيطرح الوفد مروحة من الأسئلة والاستفسارات حول المعوقات التي ما تزال تحول دون الوصول إلى برنامج للانقاذ، وهو سينصت إلى من سيلتقيهم من مسؤولين حول رؤيتهم للبرنامج الانقاذي الذي يتمناه لبنان من الصندوق الدولي، لكي يتمكن من وضع تصوره للحل المرتقب، على ان يعود وفد الصندوق إلى بيروت مجدداً الأسبوع المقبل ما لم يطرأ أي عقبات، لكي يبلغ المسؤولين اللبنانيين تصوره للحل الذي يعتبره مناسباً لمساعدة لبنان على العبور من ازمته الاقتصادية والنقدية الراهنة.

ومع انطلاق عملية التفاوض بين الحكومة ووفد صندوق النقد الدولي كان لوزير سابق وهو خبير في عالم المال قراءة تتضمن نوعاً من التفاؤل حول مصير ومسار التفاوض، فهو يرى وجود مؤشرات تؤكد اتجاه صندوق النقد لقبول طلب لبنان الذي وقعه رئيس الحكومة ووزير المال للمساعدة، مشدداً على ان ما سيجري هذا الأسبوع هو تفاوض حول الشروط التقنية، حيث سيأخذ وفد الصندوق خطة الحكومة بالاعتبار، مع وضع مزيد من الشروط التقنية التي لم تلحظها الخطة، وهو سيركز على خفض نسبة ​الدين​ من 175 بالمئة إلى 90 بالمئة في الناتج المحلي، موضحاً ان الفريق التقني بعد دراسة الخطة وتحديد الشروط الإضافية، سيصدر توصية بالتفاوض مع الحكومة على أساسها، وفي ضوء ذلك يُقرّر المبلغ الذي سيخصصه الصندوق للبنان.

ويوضح المصدر ان مجلس إدارة الصندوق لا يفرض شروطاً إضافية على تلك التي وضعها الفريق التقني، ولكن الدول الممولة قد تدعو إضافة شروط جانبية، مع الإشارة إلى ان تعليق موافقة عدد من الأعضاء المؤثرين ك​الاتحاد الأوروبي​ و​الولايات المتحدة الأميركية​ ينعكس سلباً على مسار طلب المساعدة.

وهنا يعتبر المصدر المشار إليه انه من الطبيعي ان يضع الصندوق شروطاً إضافية، خصوصاً وأن قسماً كبيراً من الأموال، يجب ان تذهب إلى التوظيف في الشق الاجتماعي، لأن الطريقة الوحيدة لمد الطبقات الفقيرة بالسيولة هي عبر الصندوق، بخلاف الكلام الذي يطلقه البعض ان ​سياسة​ الصندوق ستؤدي إلى زيادة ​الفقر​ في لبنان.

ويكشف المصدر إلى ان فريق الصندوق الذي سيزور لبنان لن تتوقف محادثاته حول خطة الحكومة بل انه سيجري مروحة من اللقاءات للوقوف على آراء عدد من الأفرقاء الفاعلة من خارج الحكومة لأن الصندوق على دراية واسعة بالمشهد اللبناني من مختلف جوانبه، ويعلم علم اليقين ما تستطيع الحكومة اللبنانية ان تقوم به وما لا تستطيع القيام به.

وفي اعتقاد المصدر الوزاري السابق ان المفاوضات مع بداياتها لن تكون سهلة وستبرز صعوبات كبيرة بفعل عامل الثقة، حيث ان الجهات الدولية لا تثق بلبنان لجهة التزاماته وتعهداته، لكنه يُؤكّد ان انطلاق المفاوضات بين الحكومة والصندوق ستكون الفرصة الأخيرة، لأنه في حال فشلت عملية التفاوض هذه فإن لبنان سينزلق إلى انهيار لا يعلم مداه إلا الله.