بَرَزتْ مشكلة جديدة على الساحة اللبنانية، هي مشكلة تهريب المواد الاوليّة الاستهلاكيّة والاساسيّة في حياة اللبنانيين، عبر المعابر غير الشرعيّة، وفي ظلّ ازمة ماليّة واقتصاديّة خانقة، ضاعف من مأساتها حلول وباء "​كورونا​" ضيفاً ثقيلاً علينا. كثر الحديث عن موضوع التهريب، ان على لسان السياسيين او المسؤولين الرسميين، ما ادّى الى تخصيص اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع حول هذه المسألة. وبعيداً عن اي غوص في ​السياسة​ والتحاليل الهادفة الى التأثير على الخط السياسي لهذا الفريق او ذاك، يدور الحديث عن عقبات فعليّة تمنع اتخاذ قرارات حاسمة للحدّ من هذه الآفّة ​الجديدة​، ولكن هناك حلول بسيطة يمكن اللجوء اليها، فلماذا لا يتم تنفيذها ومن يعيقها؟.

يطالب البعض ​الجيش اللبناني​ باغلاق المعابر غير الشرعية والانتشار على كامل الحدود في ​الجنوب​ و​الشمال​، ولكن ليس خافياً على احد ان قدرة الجيش على القيام بكل ما هو مطلوب منه داخلياً وامنياً وعسكرياً، يحول دون تمكّنه من تنفيذ هذه المهمة بشكل تامّ وناجح. فهو لا يملك عديداً كافياً لتلبية كل الطلبات الموكلة اليه فكيف سيحفظ الامن داخلياً ويتصدّى للارهاب واعمال الشغب والانتشار جنوباً واقامة دوريات راجلة ومؤللة، ومراقبة المعابر الشرعية واعداد لوائح المستفيدين من ​المساعدات الغذائية​ والمالية وتوزيعها عليهم، ثم يطلب منه اغلاق المعابر غير الشرعية على طول الحدود؟ من المنطقي ان يتم على الاقل تخفيف الاعباء عنه لتكليفه بأعباء جديدة.

هذا من ناحية، اما من ناحية ثانية، فالمنتجات التي يتم تهريبها، منها ما هو محلي ومنها ما هو مستورد (على غرار ​النفط​ مثلاً)، ليحقّق البعض ارباحاً طائلة في اوقات قصيرة، واستغلال معاناة شعب بأكمله من اجل المزيد من المكاسب. هناك من ينادي برفع هذه ​الاسعار​ للحدّ من تهريبها، وقد يكون هذا الامر نافعاً من جهة، إنما سلبيّته انه ينعكس مزيداً من الحرمان على المواطنين غير القادرين على مواكبة ارتفاع سعر اي سلعة او منتج في ظل "مهرجان فلتان الاسعار وجنونها" على الصعد كافة.

هناك حلول اخرى بسيطة يمكن اللجوء اليها، وليست صعبة التنفيذ، انما تحتاج الى قرار سياسي جريء، والى قدرة حقيقيّة في اجراء تغييرات جذريّة على العقلية اللبنانيّة السائدة، وتقضي بالضرب بيد من حديد عبر تحديد سعر صرف ​الدولار​ ومنع خرقه سقفاً معيّناً (وهنا المطلوب ليس عودته الى 1500 ل.ل. لعلمنا المسبق باستحالة هذا الامر، ولكن ان يصل الى سقف منطقي بدل الاستمرار في تسلّق سلم الاسعار حيث طرق ابواب الـ5 آلاف ليرة، وهو امر لا يمت الى المنطق بصلة)، وهو امر يمكن تنفيذه اذا ما وضعت السياسة ومصالح المسؤولين والزعماء جانباً.

ويمكن ايضاً ضبط الاسعار في الاسواق، وليس رفعها، لانّ تحديدها يظهر جدية في النية لوضع حد لـ"السيرك" السائد حالياً، فبذريعة ​الاقتصاد​ الحرّ، يتمّ اغتيال المواطنين بطريقة وحشيّة، ويصبح الفارق في سعر المنتج نفسه بين مكان وآخر في المنطقة نفسها، اكثر من عشرة آلاف ليرة، اذا لم نقل اكثر. وهذا الامر ايضاً يمكن تنفيذه اذا ما وضعت السياسة ومصالح المسؤولين والزعماء جانباً.

هذان العاملان من شأنهما ان يحلا ايضاً مشكلة ​المصارف​ والعملاء وودائعهم بالعملات الاجنبية، وايقاف الذل الذي يلحق بالمواطن على ابواب المصارف التي تتحكم بأموال موضوعة لديها "بالامانة" وتتصرف بها وكأنها ملك لها فتعمد الى التمنين بالحفاظ عليها، وتعمد الى تحويلها الى ​الليرة اللبنانية​ بالسعر الذي تريده، وترفض تسليمها الى اصحابها ولو على دفعات. ومع التأكيد بأن الحل ليس عبر الاعتداء على المصارف او موظفيها، فإن الحل ممكن وبسيط اذا ما وضعت السياسة ومصالح المسؤولين والزعماء جانباً، عبر سياسات تعتمدها ​وزارة المال​ مع ​مصرف لبنان​ والمصارف، وتفرض ​الدولة​ وضعها موضع التنفيذ وليس فقط الابقاء عليها حبراً على ورق.

اما الهام، فيبقى في عمل القضاء الذي عليه البت بسرعة بكل هذه الامور واعطاءها الافضلية على غيرها من المواضيع، كونها تنعكس على ​الحياة​ اليومية للمواطن وعلى حياته ربما. ومن المؤكد انه عند معاينة اي مخالف لجدية القرارات القضائية وتنفيذها، فسيتعلم الآخرون ويصطفون عندها تحت سقف القانون. وهذا امر ممكن اذا ما وضعت السياسة ومصالح المسؤولين والزعماء جانباً.

لا يحتاج الامر الى "نابغة" للخروج من هذه المشاكل المستحدثة، بل عمل "النابغة" يكون في المرحلة التي تلي هذه التدابير، لوضع مسار اقتصادي ومالي متين للسنوات المقبلة يمنع الوصول الى انهيار كالذي نعيشه اليوم. ومن له اذنان صاغيتان فليسمع.