بين الحين والآخر تعود قضيّة الإنتخابات النيابيّة المُبكرة لتطفو من جديد، بسبب مُزايدة سياسيّة هنا ومُطالبة إعلاميّة هناك، إضافة طبعًا إلى رغبة بالتغيير من جانب فئات شعبيّة واسعة ناقمة على الطبقة السياسيّة برمّتها، أو من جانب فئات كانت مُوالية لأحد أركان هذه الطبقة، ولم تحصد مع الوقت سوى الخيبة! فهل هذا الأمر مُمكنا في الظُروف الحالية، وهل يُمكن فعلاً إحداث تغيير فعلي وجوهريّ؟.

أوّلاً: إنّ ولاية ​المجلس النيابي​ الحالي تنتهي في أيّار 2022، ولا يُمكن بالتالي تنظيم أيّ إنتخابات جديدة، ما لم يتمّ اللجوء إلى أحد الخيارات التالية: إستقالة جَماعيّة للنواب ليُصبح لزامًا عندها إعادة ملء كل المقاعد (البعض يعتبر إستقالة 65 نائبًا كافية لفقدان المجلس نصاب إجتماعاته، ما يُحتّم إستبداله بعد شلّ عمله)، أو إقتراح بحلّ البرلمان من جانب رئيس الجمهوريّة على أن يتمّ التصويت عليه إيجابًا بأكثريّة الثلثين في ​مجلس الوزراء​، علمًا أنّه بعد ​الطائف​ صار هذا البند غير مُمكن من دون حُصول خُروقات دُستوريّة من جانب المجلس النيابي(1)، أو من خلال إقتراح قانون بتقصير ولاية المجلس على أن توافق عليه أكثرية عددية داخل المجلس(2). وبالتالي، لا يُوجد في الأفق أيّ مؤشّر عن قرب تحقّق أيّ من هذه الخيارات الثلاث، وما إعلان بعض القوى السياسيّة إستعدادها لخوض أيّ إنتخابات مُبكرة وتأييدها لهذا الخيار، سوى مزايدات سياسيّة وإعلاميّة غير قابلة للصرف على أرض الواقع!.

ثانيًا: على الرغم من وُجود قوى سياسيّة عدّة راغبة بتغيير القانون الإنتخابي الحالي، إمّا لأنّه أضعف نُفوذها أو نُفوذ حلفائها، وإمّا لأنّه منح خُصومها حجمًا نيابيًا كبيرًا، فإنّ قوى سياسيّة عدّة مُتمسّكة به، لأنّ النتائج التي تحقّقت جاءت لمصلحتها. وبالتالي، إنّ أيّ حديث جدّي عن تعديل للقانون الإنتخابي، سيُدخل ​لبنان​ في مَوجة جديدة من الخلافات السياسيّة، ما يعني أنّ إضافة طلب الإنتخابات المُبكرة إلى طلب تغيير القانون الإنتخابي الذي سيطفو على السطح حتمًا في المُستقبل، سيُدخل القوى السياسيّة كافة في مُشاحنات لا تنتهي! وحتى إشعار آخر، لا قُدرة للناس لفرض تغيير بهذا المُستوى من دون أن يكون للجماعات والهيئات التي تتظاهر في الشارع، أيّ تمثيل يُذكر تحت قُبّة البرلمان، بإستثناء قلّة قليلة من النوّاب الذين يُصنّفون أنفسهم مُستقلّين، ويتحدّثون عن تمثيلهم للرأي العام اللبناني الغاضب والناقم على السُلطة.

ثالثًا: ملف الإنتخابات النيابيّة المُبكرة لن يكون على سُلّم أولويّات البحث في المرحلة المُقبلة، بسبب كثرة الملفّات الأخرى التي تطغى بأهمّيتها، وفي طليعتها الملفّات الإقتصاديّة والماليّة، وتاليًا الملفّات الحياتيّة والمَعيشيّة التي تعني المُواطنين بشكل مُباشر. ومهما علت الأصوات الداعية إلى تنظيم إنتخابات نيابيّة مُقبلة، فإنّ هدير ​البطالة​ والغلاء وتراجع القُدرة الشرائيّة و​الفقر​ وحتى الجوع، سيكون أعلى بدون أدنى شكّ. والتركيز اللبناني في الأشهر المُقبلة، سيكون على إنجاح المُفاوضات مع صُندوق النقد الدَولي، وعلى إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، في ظلّ التدهور الكارثي الحاصل في مُختلف القطاعات. ولا ننسى الإشارة إلى أنّ الفترة الزمنيّة الفاصلة لموعد الإنتخابات المُقبلة ليست كبيرة، والمواضيع السياسيّة التي تتضمّنها بدءًا بالصراع الداخلي القائم حاليًا، مُرورًا بقرب الإعلان عن حُكم المَحكمة الدوليّة الخاصة بلبنانفي قضيّة إغتيال الشهيد ​رفيق الحريري​، وُصولاً إلى قرب فتح باب المعركة الرئاسيّة المُقبلة، لن تسمح بإيلاء مسألة الإنتخابات المُبكرة أيّ إهتمام، في ظلّ رفض الكثير من القوى السياسيّة لهذه الفكرة، ورفض آخرين لمسألة تغيير القانون الحالي أصلاً.

رابعًا: في كلّ الأحوال، وعلى الرغم من النقمة الشعبيّة الواسعة على أغلبيّة القوى السياسيّة، بسبب المشاكل الإقتصاديّة والماليّة الكارثيّة التي يُعاني منها لبنان، فإنّه من المُستبعد جدًا حُدوث تغيير جذري وواسع في أي إنتخابات نيابيّة مُقبلة. والمُفارقة اللافتة، أنّ الكثير من القوى السياسيّة والحزبيّة تلوم الناس على ما آلت إليه الأمور، بسبب منحها أصواتها للفاسدين وغير المؤهّلين، وتدعوهم للتصويت بحكمة في الإنتخابات المُقبلة، مع إستثناء نفسها عن باقي القوى السياسيّة الفاسدة وغير المؤهّلة، بمعنى أنّه تدعو للتجديد لنوّابها لكن دون سواهم!وبعض القوى السياسيّة المُتضرّرة من المزاج الشعبي الحالي، عادت لتلعب على وتر الإنقسامات السياسيّة والعقائديّة، والتوازنات الإقليميّة، والإنقسامات الطائفيّة والمذهبيّة، إلخ. في مُحاولة لإبقاء ولاء جمهورها لها. ويُمكن القول إنّ القوى السياسيّة والحزبيّة لن تفقد جمهورها الكبير بين ليلة وضُحاها، ولوّ أنّ الوضعين الإجتماعي والمعيشي سيدفعان الكثيرين إلى التمنّع عن المُشاركة في الإنتخابات، أو إلى تعديل وجهة تصويتهم. والإنقسامات بين الهيئات والجمعيّات التي تعتبر نفسها مُمثّلة للشعب المُنتفض في الشارع، لم تنجح حتى اليوم في تشكيل هيئة واحدة وموحّدة، قادرة على خوض مُنافسة مُتوازنة مع التركيبة السياسيّة والحزبيّة القديمة والمُتمكّنة. وبالتالي، قد ينجح الناس الغاضبون والناقمون، في إيصال مجموعة من النوّاب المُستقلّين في أيّ إنتخابات مُقبلة، لكنّ من المُستبعد جدًا أن ينجحوا في قلب موازين المجلس النيابي الحالي رأسًا على عقب.

في الختام، لا إنتخابات نيابيّة مُبكرة، حيث أنّ المجلس النيابي الحالي باق حتى نهاية ولايته! أكثر من ذلك، الخشية كبيرة من أن تحول أيّ تطوّرات إقتصاديّة–ماليّة بالغة الأهميّة، أو أيّ تطوّرات سياسيّة داخليّة غير مَحسوبة، دون إجراء الإنتخابات المُقبلة في موعدها، وأن يتمّ فرض التمديد على اللبنانيّين–كما حصل في أكثر من مرحلة في السابق!.

(1) مثل عدم إجتماع المجلس طوال دورة عادية كاملة، أو طوال دورتين إستثنائيّتين مُتتاليتين، أو عدم درسه المُوازنة لضرب العمل الحُكومي، أو رفضه تعديلاً دستوريًا إقترحته ​الحكومة​، إلخ.

(2) في نيسان الماضي سقط إقتراح القانون المُقدّم من حزب "الكتائب" ونوّاب آخرين، لتقصير ولاية المجلس النيابي، حيث لم يؤيّده سوى 18 نائبًا.