غداً تكمل ​حكومة حسان دياب​ يومها المئة، أيّ تاريخ الذي من المفترض أن تبدأ فيه مرحلة محاسبتها على ما أنجزت طوال الأيام الماضية، من دون تجاهل الظروف التي رافقت عملها، لا سيما أزمة تفشي ​فيروس كورونا​ المستجد التي لم تكن متوقعة، والتي أخذت الكثير من وقتها وجهدها.

على الرغم من ذلك، لا يمكن منح ​الحكومة​ أي أسباب تخفيفيّة في ما يتعلق بأغلب الملفات الأخرى، نظراً إلى أن الجميع كان يدرك ما ينتظرها من تحدّيات، فالوصف الأولي الذي أعطي لها حكومة مواجهة الإنهيار، وبالتالي كان عليها، منذ اليوم الأول، التعامل على هذا الأساس.

في جردة سريعة لما قدّمته حكومة دياب، يمكن القول أنّ خطّة التعافي هي الأمر الوحيد الذي يقترب من مستوى "الإنجاز"، بغض النظر عن الملاحظات التي من الممكن أن تسجل عليها، لكن هذا "الإنجاز" مرتبط بأمرين أساسيين: الأول موقف ​صندوق النقد​ الدولي منها، والثاني الشروط التي سيضعها وكيفية التعامل معها من قبل الجانب اللبناني.

على هذا الصعيد، رفض الصندوق لهذه الخطّة سيكون بمثابة الضربة القاضية التي توجه لها، نظراً إلى أنّ أيّ جهة أخرى لن توافق على تقديم الدعم، في حين أن موافقته ستكون جرعة تسمح لحكومة دياب بإلتقاط أنفاسها فترة مقبولة، إلا أن ذلك يجب ألا يلغي معادلة أخرى، تتعلق بكيفية تعامل القوى الداعمة لها مع الشروط التي سيفرضها.

وبإنتظار ما سيصدر عن المفاوضات القائمة مع صندوق النقد، هناك العديد من النقاط التي ينبغي التوقف عندها في أسلوب عمل الحكومة ورئيسها، أبرزها قد يكون تفضيلها خيار اللجان في ملفّات من المفترض البتّ بها سريعاً، إلا أنّ الأهم ربّما هو خسارة دياب أغلب المعارك السّياسية التي خاضها طوال الفترة الماضية، بالإضافة إلى تضعضع حكومته أكثر من مرة، الأمر الذي لا علاقة له بظروف كورونا أو غيرها من الظروف.

في هذا الإطار، من المفيد الإنتهاء من مقولة حكومة المستقلّين، التي كان يُصر دياب على تشكيلها، حيث أثبتت التجربة أن معظم الوزراء لا يستطيعون الخروج من عباءة القوى السّياسية التي سمتهم، فقوى الأكثرية خاضت، في مرحلة التأليف، معارك ضارية على الحصص والحقائب، بينما لاحقاً هدّد أكثر من مكوّن بسحب وزرائه من الحكومة، لا سيما رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ ورئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​، في حين كان بعض الوزراء يتبادلون الإتهامات السياسية، الأمر الذي حال دون نجاحها في إحداث أيّ خرق نوعي يمكن الركون إليه.

بالإضافة إلى ذلك، من اللافت أن خطّة الحكومة، التي أقرت بالإجماع، لا تزال تسجل إعتراضات من قبل بعض الوزراء، بينما هناك أفرقاء ​ممثلين​ فيها يتحدثون على ملاحظات سيتقدّمون بها خلال المناقشات في المجلس النيابي، الأمر الذي من الممكن أن تُثار حوله الكثير من علامات الإستفهام، نظراً إلى أنه يذكر بمصير الخطط التي كانت ترسل من الحكومات المتعاقبة إلى المجلس النيابي.

وفي حين أن أغلب هذه الصراعات كانت متوقّعة، على إعتبار أن أغلب القوى السياسية لم تظهر ما يوحي بأنها تعلّمت من تجارب الماضي بعد السابع عشر من تشرين الأول الفائت، ما لم يكن متوقعاً لدى الكثيرين هو طريقة تعامل رئيس الحكومة مع الضغوط التي يواجهها، خصوصاً أنه منذ اليوم الأول لتكليفه أظهر رغبة في أن يكون ممثلاً للشارع ينقل هواجسه وما يريده من تغيير في العمل وأساليبه.

من حيث المبدأ، لا يمكن أن يسجل لدياب معركة سياسية رابحة، من مشروع قانون "الكابيتال كونترول"، الذي سقط بناء على رغبة رئيس المجلس النيابي الذي دعا إلى قراءة الفاتحة عن روحه، إلى مسألة إعادة المغتربين من الخارج، حيث اضطر إلى إقرارها سريعاً نتيجة الضغوط السّياسية، وصولاً إلى خروجه لإنتقاد أداء حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ علناً من دون أن يتغيّر أيّ شيء، لا في أداء الحاكم الذي لا يعجب رئيس الحكومة ولا بإمكانيّة إستبداله بسبب الخطوط الحمراء التي رُفِعت، ومؤخّراً ما حصل بالنسبة إلى تعيين ​محافظ​ جديد لبيروت.

هل كان رئيس الحكومة على اضطرار لخوض كل هذه المعارك الخاسرة؟ ربما لم يكن يتوقع أن تكون النتائج على هذا المنوال، إلا أنه كان قادراً على ​تحقيق​ ما هو أفضل، مستغلاً ​السلاح​ الأساسي في هكذا معارك، أيّ الغضب الشعبي من أغلب القوى السّياسية، إلا أنه فضّل التراجع معتمداً نظريّة عدم توفّر البديل التي يتم التسويق لها على نطاق واسع من قبل القوى الداعمة له، بدل الخروج إلى الرأي العام لعرض ما يواجهه من ضغوط.

في المحصّلة، هذا الواقع قد يضع حكومة دياب، في المرحلة المقبلة، في منزلة الحكومات السابقة، لا سيما مع انتقال رئيسها من موقع المنقذ الذي يمارس دوره من خارج اللعبة السياسية التقليدية، كما أعلن في البدايات، إلى شريك في المشهد السياسي، يدخل في معارك ​التعيينات​ طارحاً أسماء محسوبة مباشرة عليه، ما سمح في خلق عداوات له كان بغنى عنها وتصدّي وزراء من حكومته لخوض مواجهة معه، خصوصاً أنه اضطر إلى الرضوخ، في أكثر من مناسبة، أمام هول الضغوط التي تعرض لها.