اذا اردنا أن نضع كل التفاصيل جانباً، لنتكلم جدياً عن مشكلة ​لبنان​، فإن كل حديث دون هذا السقف يجانب حقيقة ​الأزمة​ ولا يمكن أن يطرح حلولا لها.

اجتمعت ظروف الجغرافيا والتاريخ والصراع السياسي في منطقة ​الشرق الأوسط​، فكان لبنان ساحة متقدمة في المعركة بين محورين، محور يتبع للغرب ومحور ​المقاومة​ المتمثل ب​ايران​ و​العراق​ و​سوريا​. والسبب في ذلك يعود عملياً الى أن لبنان دولة ضعيفة لا تملك إمكانيّات كبيرة كالموارد الأوليّة وعدد السكان والمساحة.

وعلى هذا الأساس، فإن هذا البلد يعيش أزمة هوية، سياسية وإقتصادية، لا يمكن البحث عن حلول جدّية لأزمته دون البحث فيها.

ينقسم هذا الشعب، بشكل متناصف تقريباً، في الموقف من قضية محورية في الشرق الأوسط، هي ​اسرائيل​، فنصف الشعب يعاديها ويقاتلها، والنصف الآخر، لا يريد أن يتحمل تبعات هذه المعركة، على الأقل.

هذا الخلاف تم تنظيمه سابقاً من خلال انقسام القوى المسيطرة، بين فريقين، فريق استلم ​الاقتصاد​ المرتبط ب​الدولار​ (١٤ آذار) وفريق آخر استلم ​الأمن​ والمقاومة والحدود والدفاع عن لبنان (٨آذار).

حكمت هذه المعادلة لبنان بعد ​الحرب اللبنانية​، وقد نظمها ​اتفاق الطائف​، الى سنة ٢٠١٦.

دخل لبنان عملياً في نفق الأزمة مع انتخاب ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية، فقد شكل انتخابه خرقاً للمعادلة والتوازن القائم منذ التسعينات، حيث أن فريق ٨ آذار صار مسيطرا على الرئاسات الثلاث (الجمهورية والنيابية والحكومية) واستمرار هذه السيطرة يفقد المحور الآخر مع الوقت نقاط قوته في لبنان.

هناك من عارض انتخاب عون للرئاسة لعلمه بهذه التوازنات وضرورة مراعاتها وعدم القدرة على مواجهتها وهذا الرأي يثبت فشيئا من صوابيته مع مرور الأيام.

عند هذه الحالة تدخلت ​أميركا​ لتعيد احياء نفوذها في لبنان، عبر خنقه اقتصادياً من سنوات، بالتضييق على رجال اعمال لبنانيين في الخارج ووضع شخصيات لبنانية على لوائح الأرهاب وإقفال ​مصارف​ لبنانية، مما أدى الى تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلد، ثم لتستعد بعد ذلك لتقديم حلول سحرية تضمن استعادة نفوذها، أو أكثر. في عمق هذه الأزمة، ​اللبنانيون​ أمام ٣ خيارات:

الخيار الأول: التوجه نحو دولة مقفلة، على نسق دول الممانعة وهي دول انتاجية تعيش في الحصار وتخوض المواجهة متسلحة بمواردها الطبيعية التي يفتقدها لبنان أساساً وهو خيار يبدو بعيدا، اذ أن نصف الشعب لا يريده، وليس هناك في لبنان موارد ومقومات صمود في هذه المواجهة.

الخيار الثاني: هو تسليم البلد لقوى ١٤ آذار، وهي قوى لا تكن عداء لاسرائيل أو لا تريد مواجهة معها وعندها ينتعش البلد، وهو ايضا خيار بعيد لا يمكن ان تقبل به قوى ٨ آذار، نظراً لأنه يغير هوية البلد.

الخيار الثالث: يبدو الأقرب، هو اعادة انتاج ​السلطة​ وفق التوازن السابق، كأن تعطى ​رئاسة الجمهورية​ والجزء الأكبر من ​الحكومة​ الى محور ١٤ اذار، فتعود لعبة ٨ و١٤ اذار التي كان يلعبها اللبنانيون، والاتهامات والأتهامات المضادة من التخوين والتبعية وغيرها، فيستعيد لبنان جزءًا من عافيته، ضمن اطار تسويات اقليمية، ظهرت بعد تباشيرها، لكنها لم تصل الى لبنان بعد.