فيما تُكمل اليوم حكومة الرئيس حسان دياب «فترة المئة يوم» التي كانت قد حددتها لنفسها يوم نيلها ثقة المجلس النيابي لكي تحقق انجازات، تتجه الأنظار الى ما يمكن ان يكون عليه واقع هذه الحكومة خلال الفترة المقبلة بعدما بدأ يَتراكم التشكيك بقدراتها، مترافقاً مع انعدام وجود اي دعم لدياب من البيئة التي ينتمي اليها، وكذلك من بيئات او من قوى وتيارات في بيئات أخرى رغم التناقض في المواقف السياسية وحتى الطائفية والمذهبية بين مجمل هذه البيئات.

ويَستحوذ على الاهتمام هذه الايام المواقف التي يتخذها الرئيس سعد الحريري مع حلفائه، وعلى رأسهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي لا يتوقف عن تقديم الاسناد السياسي له كلما دعت الحاجة، فيما يبدي ارتياحاً كبيراً الى مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا يقطع مع «القوات اللبنانية» ولا مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.

ما يطرحه الحريري يقرأه البعض على انه يعكس طموحاً ضمنياً لديه للعودة الى رئاسة الحكومة، لكن ثمة اقتناعاً ترسّخ في الواقع السياسي مفاده انّ الرئاسة الثالثة خرجت من «حكرية» نادي رؤساء الحكومة السابقين من دون اي يعرف متى ستعود اليه في ضوء الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد، والذين، في رأي الشارع، يتحمّلون الى جانب الآخرين من الطبقة السياسية القائمة، صحيحاً كان أم خطأ، جزءاً من المسؤولية عن هذا الانهيار.

لكن كان اللافت دعوة النائب نهاد المشنوق «جمهور الرئيس الشهيد رفيق الحريري» الى «مقاومة سياسية» ايذاناً بانطلاقة حريرية ـ «مستقبلية» الى استنهاض الجمهور «المستقبلي» وبيئته وأنصاره والحلفاء استعداداً للمرحلة المقبلة التي ينتظر ان تكون حامية سياسياً على كل المستويات، وتنتهي بعملية اعادة تموضع سياسي لمختلف القوى السياسية. فالمشنوق ربما يكون قد تحرّك من تلقائه او في اطار تنسيق مستقبلي تمّ على ما يبدو نَسْجه داخل البيت الداخلي «المستقبلي»، آخذاً في الاعتبار التحرّك الذي يقوم به بهاء الدين الحريري الذي اعلن نيته دخول المعترك السياسي رغم غيابه اكثر من 20 عاماً عن لبنان.

غير انّ هذه «المقاومة السياسية»، التي دعا المشنوق الحريريين الى خوضها، ليس واضحاً ما إذا كان هدفها المرحلي تحقيق عودة الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي، وإنما ستدور رحاها في مرحلة انتقالية تمتد على طول ما تبقّى من ولاية الرئيس ميشال عون التي تنتهي في خريف 2022، سواء تحقق مطلب الحراك الشعبي بإجراء انتخابات نيابية مبكرة ام لا، ذلك انّ العارفين بواقع الحريري يؤكدون انّ الرجل درس واقعه جيداً معطوفاً على ما تَجمّع لديه من معطيات مواقف العواصم الاقليمية والدولية الفاعلة منه، والتي كانت سبب استنكافه عن تشكيل حكومة جديدة إثر استقالته في اواخر تشرين الاول المقبل تحت وطأة الحراك الشعبي الذي انطلق في 17 من الشهر نفسه، وارتأى على ما يبدو أن ينصرف الى تحصين وتعزيز بيته السياسي الداخلي وحضوره في بيئته التي تبدو انها تَتعطّش الى وجود مرجعية فاعلة ينتظر الآخرون بروزها، مُقتنعين انّ البلاد ستبقى فاقدة الوزن والاتّزان من دون هذه المرجعية، والأمر نفسه ينطبق على البيئات الأخرى في حال فقدانها مثل هذه المرجعية الوازنة.

ولذلك، فإنّ المشنوق ربما يكون قد استبق الاحداث واختصر المراحل امام الحريري الذي وجد او سيجد نفسه امام واقع الدفع الى تلك «المقاومة السياسية» والضغط في اتجاه إسقاط حكومة دياب، اذا استطاع الى ذلك سبيلاً. وبالتالي، التمهيد لولادة حكومة جديدة تتولى تأليفها شخصية سياسية سنية يسمّيها هو، تكون مهمتها ترميم وتعزير العلاقات بين لبنان والمجتمعين العربي والدولي، والعبور بالبلاد بأقل خسائر ممكنة خلال الفترة المتبقية من ولاية عون، وتكريس تيار «المستقبل» وجمهوره ناخباً كبيراً ومؤثراً في الاستحقاق الرئاسي المقبل.

على انّ البيت الداخلي الحريري العائلي والسياسي «المستقبلي» وحتى الحليف له يشهد في هذه الايام مشاورات ولقاءات عائلية وسياسية بعيداً عن الاضواء لاحتواء ما أثاره تحرّك بهاء الحريري من إرباك في البيئة «المستقبلية» والسنية عموماً. وهو ما قد يدفع الى تسريع الخطى لعقد المؤتمر العام لتيار «المستقبل» الذي كان متوقعاً انعقاده هذا الشهر، ولكنّ أزمة كورونا دفعت الى استِئخاره الى مرحلة تكون البلاد فيها قد تجاوزت هذا الوباء، اذ لا يصحّ في هذه الحال انعقاد مثل هذا المؤتمر إلكترونياً وعن بعد.

والحراك الحريري، الذي كشف المشنوق بعض عناوينه، يأخذ في الاعتبار واقع حكومة دياب وما تتخذه من خطوات يجد فيها الحريري وفريقه محاولة لاجتثاث الوجود «المستقبلي» من مختلف المواقع الادارية عموماً وفي السلطة المالية خصوصاً، والتي تعطّلت التعيينات التي كانت مقررة فيها بفعل الاعتراض الحريري و»المستقبلي» عليها، وهو اعتراض جاء في موازاة اعتراض «التيار الوطني الحر» على التعيينات القضائية التي بدورها تعطّلت ايضاً.

وفيما يؤكد داعمو حكومة دياب انها باقية حتى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية لأنّ البلاد في ظل ازماتها المتفاقمة لا تتحمّل «دوشة» تأليف حكومة جديدة قد يتأخر طويلاً، يعتقد الحريريون وحلفاؤهم انّ عمر حكومة دياب لن يطول، خصوصاً بعدما بدأت الازمات تعصف بين بعض مكوناتها الاساسية، فيما المؤشرات تدل الى أنّ الآمال المعقودة على مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لن تتحقق في ضوء الخلاف الدائر بينها وبين حاكم مصرف لبنان حول الخطة الاصلاحية، حيث انّ الصندوق ينتظر أن يرسو الطرفان على موقف موحّد ليبنى على الشيء مقتضاه، ولكن جاء موقف جمعية المصارف الذي يلاقي في بعض جوانبه موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليزيد من ضبابية الصورة، ويدفع البعض الى تَوقع الّا تأتي مساعدات الصندوق وهي «القروض الميسّرة» التي يمكن ان يقدّمها للبنان في المستوى المُرتجى، والبعض بدأ يتحدث الآن عن قروض او مساعدات «بالقطّارة» او جرعات من «المضادات الحيوية» وخلال آجال زمنية متباعدة، وربما تكون طويلة.