لم تكن مهمة رئيس الحكومة حسان دياب وفريقه الوزاري سهلة خلال المئة يوم من عمرها الفعلي بعد نيلها ثقة مجلس النواب والتي اعلن عن انتهائها امس دياب نفسه متطرقاً الى سلسلة من الامور ظاهرها جيد وباطنها مر.

وترى اوساط بارزة في تحالف 8 آذار ان رغم كل الالغام المزروعة في درب الحكومة وعدم رضى المشاركين عن ادائها وتقصيرها في كثير من المفاصل عن قصد او غير قصد عن عجز او تخاذل، استطاعت الحكومة مدعومة من الاكثرية بهز كيان الفساد العميق وبالمنظومة الموغلة جذورها الى انطلاقة جمهورية الطائف الطوائفية حتى النخاع الشوكي.

وتلفت الاوساط الى ان الاموال المنهوبة والمهربة والهدر والفساد ليست صداعاً نصفياً يعالج بحبتي "بنادول" والسلام، او بحقنة ضد الالتهابات او مضاد للورم، بل هي عملية جراحية موضعية دقيقة تتوسع لتكون شاملة حتى الاوردة والانسجة الدقيقة.

الكباش المالي الحاصل بين العهد والحكومة وحاكم مصرف لبنان، وخلفهم جميعاً منظومة مالية ومصرفية وسياسية موغلة في الفساد والشراكة، فيما بينهما ومن مصلحتها ان تواجه بكل شراسة اي تغيير او اي مس بموظفيها او بمكتسباتها او بكشف اوراقها المستورة. والتي ما ان مُست حتى علا الصراخ والعويل والتهديد. واستحضرت كل الحصانات السياسية والطائفية والمذهبية. وجندت السفارات لحماية موظف من هنا وموظف من هناك بغض النظر عن دوره ومهامه ورتبته.

وتكشف الاوساط ان بعد الاعلان عن توجه حكومي لاقالة رياض سلامة، وتعيين بديل له مع اربعة نواب له بالاضافة الى تعيين كل الشواغر المالية المختلف عليها بين افرقاء السلطة والمعارضة ولا سيما الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط والرئيس ميشال عون وجبران باسيل وحسان دياب، وحدوث خضة سياسية ومصرفية وحكومية ومالية، كلف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم برأب الصدع والتهدئة بين الحكومة والحاكم، كما تدخل الرئيس نبيه بري لتسوية الامور بين غازي وزني وسلامة في ملف صندوق النقد الدولي وحضور سلامة الجلسات وتقديم ورقة مشتركة بين الحكومة وسلامة وجمعية المصارف، اذ بدا التناقض واضحاً في الجلسة الرابعة موقف لبنان الى مزيد من "الترهل" و"الهلهلة".

وتقول الاوساط ان بعد جولات من النقاش والاخذ والرد خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، نجح اللواء ابراهيم في إرساء نوع "من المهادنة" او "المساكنة القسرية" اقله في المرحلة الراهنة بين العهد والحكومة والحاكم، ولتمرير هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة، لا سيما ان ملف اقالة سلامة لم يعد مطروحاً راهناً طالما انه يلتزم خطة وتعليمات الحكومة.

وبعد لقاء امس الاول بعيد من الاعلام بين دياب وسلامة، تم الاتفاق عليه على جملة من الخطوات لتهدئة سعر صرف الدولار في السوق، وإطلاق المنصة الالكترونية، وتنظيم عمل الصرافين، وفرض قيود صارمة على بيع وشراء الدولار بكميات محددة ولاغراض محددة.

كما سيعمد مصرف لبنان الى ضخ كمية مقبولة من الدولارات في السوق، وكذلك تزويد تجار المواد الاستهلاكية والغذائية الاساسية بدولار المنصة اي بين 3200 و3500 ليرة . وبعدها بأسبوع سيكون هناك انخفاض بنسبة 20 في المئة لكل الاسعار للمواد الغذائية الاسياسية تباعاً وهذا ما اعلن عنه صراحة ام وزير الاقتصاد راوول نعمة.

هذه "التهدئة المالية"، وان جاءت متأخرة بإجراءاتها لجهة ضبط الدولار، واسعار السلع وتوقيف جبهة المضاربين من الصرافين والتجار الكبار، ولو أتت بمناسبة المئوية الاولى من سنة حكومة دياب الاولى، من شأنها ان تعبد الطريق امام تهدئة البلد مالياً واقتصادياً وترسل بإشارات ايجابية للناس، ان نية العمل والانجاز موجودة لدى الحكومة بالاضافة الى اشارات ايجابية الى الخارج.

لكن ما تواجهه الحكومة من ضغوطات خارجية مستمرة، ولا سيما من الاميركيين لا يوحي بهدوء خارجي ومحلي، ولن تكون دربها على طريق طلب قروض صندوق النقد الدولي معبدة بالورود وهو الامر الذي، تؤكد الاوساط انه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار، وآن الآوان لبدء خطة داخلية لتمويل ذاتي باتت افكاره جاهزة للنقاش على طاولة مجلس الوزراء متى طرحت.