أصبح ​الدولار​ في ​لبنان​ من العملات النادرة، حتى في ​مصرف لبنان​، انخفضت موجوداته من العملات الصعبة بشكل كبير، جرّاء المحافظة على سعر صرف ​الليرة​، ودعم المواد الأساسية التي يحتاجها لبنان. هذه الرواية الرسمية، ولكن ما لا يقوله الجميع، هو أن لبنان يخسر ملايين الدولارت، وربما مليارات الدولارت من احتياجات شعبه الأساسية، لصالح عمليات التهريب. والأبرز في هذا الإطار مؤخرا هو تهريب ​المازوت​.

هذه الآفة بدأت منذ سنوات طويلة، ولكنها لم تكن بالحجم الذي وصلت اليه الشهر الماضي، والسبب ببساطة، تغير سعر صرف الدولار في لبنان، والدعم الذي يقدمه ​المصرف المركزي​ للمحروقات، وانخفاض سعر المازوت عالميا، وتدهور سعر صرف العملة السورية.

منذ سنوات، كانت عمليات التهريب تتم عبر المعابر غير الشرعية من قبل عائلات تسيطر عليها، وكان لكل معبر قادته، ولكل قطاع تهريب أربابه، يقول مصدر مطّلع على هذه الاعمال غير القانونية في ​البقاع​، مشيرا عبر "النشرة"، الى أن اليوم تسيطر إحدى العائلات البقاعية من آل ج. على معبر البقاع لتهريب المازوت، بينما تسيطر عائلة ع. على معبر ​الشمال​ لتهريب المادة، والسؤال الأساسي هو حجم التهريب الذي يحصل وكيفيته.

مع نهاية شهر نيسان الماضي وصل سعر صفيحة المازوت الى 9 الاف ليرة لبنانية، واستمر بالهبوط حتى بلغ الـ 8700، بينما السعر في ​سوريا​ يبلغ الضعف على الأقل، ولذلك كان لا بد من تجارة تهريب تجعل الأرباح خيالية.

يكشف المصدر أن التهريب الشهر الماضي وما قبله بقليل وما بعده بقليل لم يكن كما اعتاد أن يكون، بكميات محدودة، بل كان بكميات خيالية فاقت حاجة السوق اللبناني خلال شهر، والتي تبلغ بالأيام العادية حوالي 150 مليون ليتر، وفي أيام الشتاء تصل الى حوالي 210 ملايين ليتر، ومصدره لم يكن محطات وقود، بل إحدى شركات استيراد ​النفط​ من الخارج لصالح السوق اللبناني بدعم من مصرف لبنان بقيمة 85 بالمئة، فحرمت السوق منه، وعاشت المحطات بلا مازوت، كرمى لعيون التهريب، وأخرجت الدولار الى الخارج، وحققت الأرباح الخيالية بحيث باعت الشركات صفيحة المازوت الى العائلات المهربة وتجار التهريب بقيمة وصلت الى 14 ألف ليرة كمعدل وسطي، وهم بدورهم يبيعونها بالسوق السوري بحوالي 18 الف ليرة لبنانية.

لن تكشف المصادر أسماء المتورطين، حاليا على أقل تقدير، لأن الأجهزة المعنية وتحديدا ​الجمارك اللبنانية​ تعلم عنها ما يجب أن تعلمه، فللجمارك مركزها الثابت داخل الشركات حيث يتم تفريغ البواخر وتخزين المواد، ويعلمون بكل تأكيد أن إحدى الشركات التي تستورد باخرتين كل شهرين الى لبنان، ضاعفت الكمية خلال شهر واحد، بل وزادت على الضعف أيضا، مشددة على أن مكافحة تهريب المازوت لا يكون بانتظار الشاحنات على الطرقات العامة، وإلزام السائق بتوقيع تعهّد بوقف التهريب، فالكل يعلم أن السائق ليس إلا موظفّا على الشاحنة لا ناقة له ولا جمل، ولا يكون بتركيب المصائد لناقلات المادة على الحدود.

وتضيف المصادر: "يُمكن للجمارك أن تُدقق بحجم كميات المازوت التي تدخل الى الشركات شهريا، وبفواتير التسليم، ومعرفة وجهة البضائع، وحجم المازوت المسلّم الى السوق المحلّي، والأهم يُمكن لها أن تُحقق بسبب فتح شركات أبوابها للعمل حتى منتصف الليل، ووجهة الشاحنات التي كانت تخرج منها في أوقات مشبوهة، وعندها بكل تأكيد يمكن لها وقف التهريب بحال كانت النوايا صادقة".

حان الوقت لتنطلق الحكومة نحو العمل، وهناك 3 أبواب يمكن لها ان تحقق عبرها نتائج ملموسة وإيجابية جدا للإقتصاد، مكافحة المضاربات المالية، وذلك يكون بالتوجه نحو مصدر الدولار الذي يحصل عليه الصراف، وهذا ما بدأت بفعله وعليها أن تستكمله بقوة، حيث تبين تورط مدراء مؤسسات ماليّة، مكافحة غلاء الأسعار، وهذا يكون عبر التوجه نحو المستوردين والتجار الكبار، لا المحال التجارية، وملف مكافحة التهريب.

حاليا تعاني المحطات من نقص في مادة المازوت، الأمر الذي قد ينعكس على قدرة ​أصحاب المولدات​ على مدّ الناس بالطاقة الكهربائية، بوقت المسؤول عن الطاقة يمارس التقنين القاسي فيزيد حرارة الطقس "لهيبا"، وهذا بالنسبة الى المازوت، وهو ليس كل شيء، فالمستور لن يبقى مستورا بعد اليوم.