المُشكلة مع بعض الطَّاقم السِّياسيِّ كما وبعض المسؤولين الرُّوحيِّين عندنا في ​لبنان​، أَنَّهم ما "إِن يرتاحوا إِلى وضعهم"، حتَّى تعود "حليمة إِلى عادتها القديمة" في السِّجالات السِّياسيَّة العقيمة، أَو في تسجيل المواقف... في وقتٍ لا يأْبه المُواطن القابع بين "سندان ​كورونا​" و"مطرقة المجاعة"، إِلى كُلِّ تُرَّهات هؤُلاء!.

ولا يكتمل الاستعراض السِّياسيُّ إِلاَّ باستحضار العصبيَّات الطَّائفيَّة أَو الشِّعارات والأَهداف المُعلنة وغير التَّوحيديَّة... كتقسيم الوطن "كونتوناتٍ" و"فيدراليَّاتٍ"، وشدِّ العصب ضدَّ "الخصم السِّياسيِّ" والفوز بدعمٍ من رجال الدِّين المحترمين، من دون أَنْ نسأَل نفسنا: هل يُمكن أَنْ تعيش هذه الفيدراليَّات ذات الإِدارات الطَّائفيَّة في سلامٍ ووئامٍ؟...

عبرة الحرب اللُّبنانيَّة

إِنَّ مشاهد الحرب اللُّبنانيَّة ما زالت في ذاكرتي كما وفي ذاكرة أَبناء جيلي، حيث إِنَّ أَيَّ منطقةٍ من لونٍ طائفيٍّ واحدٍ، لم تستطع أَنْ تعيش في سلامٍ داخل تقَوْقُعها: فـ"حركة أَمل" و"​حزب الله​"، كانت بينهما صولاتٌ وجولاتٌ –وللأَسف الشَّديد– من المعارك المُسلَّحة، وكذلك فـ"أَمل والاشتراكيّ" لم يكونا دائِمًا في وئامٍ واتِّفاقٍ شديدَين... وأَمَّا المعارك بين الجيش اللُّبنانيِّ و"القُوَّات" بين 1989 و1990، فما زالت رواسبها ماثلةً في الأَذهان... وبعد كلِّ هذه الفظاعات، يأْتيك مَن لم يكن على علمٍ بتاريخ لبنان الحديث جدًّا، ويطرح في "سوق عكاظ" السّياسة عندنا... شعاراتٍ مُستهلكةً إِلى حدِّ الابتذال الرَّخيص، وهي إِلى ذلك شعاراتٌ عديمة الجدوى، وقد قيل قديمًا: "يلّلي بيجرّب مجرِّب بيكون عقلو مخرَّب"!...

درسُ الثَّورة الفرنسيَّة

وأَمَّا إِذا كان الهدف من "التَّراشق بالتُّهم، والتَّنظير بالعفَّة... هو التَّلاعب ببوصلة المطالب الشَّعبيَّة المُحقَّة، الواقفة على أَعتاب بعض المسؤولين السِّياسيِّين، وبهدف "استيعاب" الحركات المطلبيَّة، فعلى الجميع –في هذه الحال– التَّنبُّه إِلى أَنَّ الحُقوق الَّتي غالبًا ما تكون مقرونةً بصفة "المُقدَّسة"، لن تحول "الواسطة الدِّينيَّة" دون الإِصرار الشَّعبيِّ على المُطالبة بها، وصولاً إِلى تحقيقها... وخيرُ مثالٍ على ذلك الثَّورة الفرنسيَّة الَّتي لم تُوفِّر في العام 1789 أَيَّ مسؤولٍ، أَمدنيًّا كان أَم دينيًّا، وفي هذه الحال تصحُّ عبارة "كلُّن يعني كلُّن"!.

إِنَّ ما يُطرح اليوم على السَّاحة السِّياسيَّة، غير مقبولٍ من حيث الشَّكل كما ومن حيث المضمون. فالوقت الرَّاهن، وفي ظلِّ انبعاث خطر كورونا مجدَّدًا، غير مُناسبٍ لأَيِّ طرحٍ على مُستوى تغيير النِّظام، ولا في إطار المسِّ بالميثاقيَّة اللُّبنانيَّة الَّتي أَطلقها الرَّئيس ​بشارة الخوري​ ورئيس الحكومة آنذاك رياض الصُّلح، وقد أَفضت إِلى استقلال لُبنان... كما وأَنَّ من حيث المضمون، ستسقط هذه الطُّروح، ليس فقط لأَنَّها تضرب شعارًا أَطلقه رئيس الجمهوريَّة ​ميشال عون​، حين كان رئيسًا للحُكومة الانتقاليَّة في العام 1989، ومفاده أَنَّ "لُبنان أَصغر من أَنْ يُقسَّم وأَكبر من أَنْ يُبلع"!، بل وأَيضًا بسبب رفض غالبيَّة اللُّبنانيِّين طروحٍ كهذه، إِذا ما اعتبرنا أَنَّ الطَّابور الخامس المُشيِّع لمشاريع كهذه، إِنَّما يفعل ذلك بوحي من سذاجته السِّياسيَّة، وبالتَّالي فهو غير مغموسٍ إِلى الأُذنين، في مشروعٍ خارجيٍّ تحريضيٍّ عميلٍ!...