لم يكن يحتاج رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى إطلاق أية مواقف سياسية، في مناسبة عيد الفطر، لا ضد "​التيار الوطني الحر​" ولا ضد "​حزب الله​"، نظراً إلى أن المعركة الأساسيّة التي يخوضها انتقلت من مكان إلى آخر، بعد ظهور طموح شقيقه رجل الأعمال ​بهاء الحريري​ السياسي بشكل حاسم في الأيام الماضية، وبالتالي ما يهمه اليوم هو إظهار حجم التأييد الشعبي له دخل البيئة السنّية بشكل عام، وفي أوساط جمهور تيار "المستقبل" بشكل خاص.

وعلى الرغم من الحركة الدبلوماسية التي كان قد شهدها بيت الوسط في الفترة الماضية، والتي كان أبرزها زيارة السفير السعودي في لبنان ​وليد البخاري​، لم يقتنع الحريري بعدم جدوى القيام بخطوات أخرى، في ظل التقارير التي تصله عن تزايد حجم الحراك الذي يقوده شقيقه على أرض الواقع، وبالتالي بات من الضروري، من وجهة نظره، القيام بهذه الحركة الإستعراضية أياً تكن النتائج أو التداعيات، فبهاء الحريري يتقدّم في أكثر من منطقة، وهناك معلومات مؤكّدة عن أنه مستمر في مشروعه حتى النهاية، على قاعدة أن المرحلة تتطلب تغييراً على الساحة السنّية، لا يمكن أن يقوده إلا شخصاً من العائلة نفسها، يلاقي ما يطرح من مشاريع على مستوى المنطقة ولبنان.

في هذا السياق، هناك معادلة ينبغي التوقف عندها، تكمن بأن بهاء الحريري كان قد نجح في حجز مكان له في بعض مناطق الأطراف التي تعتبر من معاقل "المستقبل"، إلا أن المعركة الأساس، التي من المفترض أن ينتصر فيها، هي في العاصمة بيروت، وتحديداً في ​الطريق الجديدة​، التي تعتبر المعقل الأهم بالنسبة إلى "المستقبل"، الأمر الذي سعى إليه، في الفترة الماضية، لكنه لم ينجح في إنجاز خرق يمكن الركون إليه حتى الآن.

من هنا، أراد رئيس الحكومة السابق الردّ على شقيقه، متجاهلاً حضور رئيس الحكومة حسّان دياب إلى جانب مفتي الجمهورية اللبنانية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​ في جامع الأمين في وسط بيروت، فالمواجهة مع ساكن ​السراي الحكومي​ الحالي ليست الأولوية، بل إيصال رسالة إلى الشقيق الأكبر بأنّه لا يزال يملك الأرضيّة الشعبيّة، ولهذا كان خيار أداء صلاة العيد في جامع الإمام علي في الطريق الجديدة، فهو يدرك أن الرسائل التي أطلقها المفتي دريان، على مسمع دياب، تصب في صالحه بشكل أو بآخر، خصوصاً تلك المتعلقة بصلاحيات رئيس الحكومة، بينما ما كان يحتاج إليه هو تكرار تلك التي أطلقها المفتش العام المساعد ل​دار الفتوى​ الشيخ حسن مرعب.

هذا الخيار، في المعادلة السياسية والشعبية، من الممكن أن يُصنف بأنه "الأذكى" من ضمن الخيارات التي من الممكن أن يقوم بها سعد الحريري بهدف الدفاع عن "عرينه"، لكن في ظل الأوضاع الصحية التي تشهدها البلاد ما كان يمكن أن يمر مرور الكرام من شخص من المفترض به أن يكون مسؤولاً، فالرجل من أجل إيصال رسالة "أخوية" إلى شقيقه ذات طابع سياسي، أظهر عدم مبالاة في صحة جمهوره، وإلا ما الذي يفسر هذا "الإستعراض" الذي تم التحضير له مسبقاً، عبر الدعوات التي وجهت على وسائل التواصل الإجتماعي للمشاركة في المناسبة؟.

طوال السنوات الماضية، كان رئيس الحكومة السابق يرد على هتافات جمهوره: بالروح بالدم نفديك"، بالقول: "أنا الذي أفديكم"، لكن على ما يبدو المعادلة تبدلت، فالحريري يريد من جمهوره أن يخاطر ويغامر وربما أن يفديه بصحته في معركته مع شقيقه، الأمر الذي من المتوقّع أن يتصاعد في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن المواجهة بين الشقيقين ستتصاعد، على عكس ما يحاول البعض التسويق له عن أن بهاء الحريري في طور التراجع.