يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "لا الشهرة ولا الثروة ولا السلطان ولا القدرة الجسدية ولا المائدة الشهية ولا الملابس الأنيقة ولا أيَّة ميزة بشرية، يمكنها أن تجلب سعادة حقيقية؛ بل كل هذه تتأتَّى من صحة روحية وضمير نقي". كما يقول القديس يوحنا السلّمي: "لنتخذ من ضميرنا ناصحاً لنا بعد الله، ودستوراً في كل شيء؛ وذلك لكي نعرف من أيَّة جهة تهبُّ الريح، فنفرد شِرَاعنا ونوجِّه سفينتنا طبقاً لها". فأين نحن اليوم من هذا كله؟ فالجسد عليل و​الصحة​ الروحية والضمير النقي رهن الأشخاص ومدى قربهم أو بعدهم من الله والكنيسة. ولكن الواضح والجلي أن العالم كله يتخبط بموجة فساد لامثيل لها حيث الكلمة الفصل للسلطة وللقوة ​المال​ية والنقدية وللشهوات المستفحلة على حساب الضعفاء والفقراء، الذين بغالبيتهم رهنوا ضميرهم للمال السياسي يومًا ويستمرون برهن ضمائرهم للجاذب الشخصي للزعيم أو الحاكم منهكين من ظلم هم صانعوه في غفلة ضمير وهم قادرون على تغييره في صحوة ضمير لو متأخرة.

الضمير النقي هو ينبوع لكل البركات الإلهية. فذوو القلوب النقية يتمتعون بسلامٍ داخلي، وهم لطفاء وأسخياء في العطاء. وهكذا يُعطيهم الله، في هذه ​الحياة​ المليئة بالمحن والعذاب، سَبْق تذوُّق للملكوت السماوي. وطالما أن الضمير موجود فينا، فإنه يُوجِّه أفكارنا، ويسمو بمشاعرنا، ويُقوِّي إرادتنا، ويُعيننا في كل صلاح نأخذه على عاتقنا. وبواسطة تلك الاستنارة المباركة نصبح أدوات للعناية الإلهية. وبذلك نتمتع، ليس ببركات روحية فحسب، بل ونصير أيضاً وسيلةً لخلاص آخرين. وتاريخ كنيستنا حافلٌ بأمثلة لا تُحصَى من حياة القديسين يمكننا اتخاذها مثالاً نحتذي به.

وللكنيسة اليوم دور هام جدًا في حياة المؤمنين، فإنها بتعاليمها ونعمة الروح ​القدس​ الساكن فيها تُمكِّن المؤمن من أن يكتمل أخلاقياً، وتجعل ضميره أكثر حساسية وتمييزاً في زمن يفرض علينا أمورًا لا تتناسب مع أخلاقنا ولا تنفعنا لا جسديًا ولا روحيًا. وفي وقت بات ​التلوث​ الخلقي موضة وقساوة القلوب سائدة نتذكر قول الرب: «طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يُعاينون الله» (مت 5: 8). ويدخل النور الإلهي في نفوسنا من خلال ضمير نقي، وكأنه زجاج صافٍ، ويخترق كل ركن فيها فنغدو متمايزين عمّن ساروا كالقطيع وراء ما هو سائد مخدري الضمير وفاقدي الإدراك لما ستؤول اليه حياتهم.

الأفكار السلبية التي تسيطر على عالمنا، تصنع جدارًا بيننا وبين الآخرين، لذا علينا أن نبدأ في تحويل الأفكار والانفعالات الداخلية إلى أحاديث يمكننا مشاركتها مع الآخرين، فالحوار البناء والبعيد عن الإنفعالات والموروثات الشخصية يؤدي الى نتيجة تفيد كل الأطراف. الحياة مليئة بالضغوطات والمواجهات العصيبة، وكل منا يحب أن يجالس الأشخاص المتفائلين، ليخففوا علينا مصاعب الحياة والأزمات. إلا أن الضمير الإعلامي الميت بات يقدم لنا مواد وبرامج تتحدث عن المشكلات والأزمات وقليل ما يورد أملاً بحلول، لذلك فلنكن نحن مصدرًا للتفاؤل وهذا الأمر مرتبط بالإيمان الحق بأن الكلمة الفصل هي لله وحده وبأن "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ"(رومية 8: 28).

أي مجتمع كامل يرتقي ليكون صحيحًا وحقيقيًّا، تجده مقسمًا، فإن هذا المجتمع يقوم بتقسيم الأفراد إلى قادة وتابعين وتحت التابعين. وبسبب تغييب الضمير تجد التابعين وتحت التابعين مغبونين حقًا ومرتهنة حقوقهم الطبيعية وكلمتهم مصادرة. فحتى لو كنت أنت شخصًا ناجحًا، أو محبوبًا، أو تمتلك مقدرات مميزة، فإنك تهدد القادة بشخصيتك وتميزك الطاغي، بالطبع حينها سيتم محاولة تجاهلك لصرف النظر عنك من أجل استمرار الواقع الموجود على حساب ​المستقبل​ الواعد. علمًا أنه لا يوجد بينا شخصٌ كامل، وليس عيبًا إن تم الكشف عن بعض نقاط الضعف والخلل لدى الآخر ولو كان من القادة، فبذلك تتكامل المقدرات والمواهب معًا من أجل مجتمع أفضل مبني على العدالة والفرص وليس على الاحتكار والنرجسية.

العالم اليوم يكره التعامل مع المتفائلين روحيًا والناجحين عمليًا في خلق سبل للخروج من الأزمات، لأنهم بذلك يقاومون المشروع التدميري الذي تتحكم به قوى الشر والآيل الى تدجين البشرية في منظومة رقمية سالبين منها العقل والضمير، ما يعني إبعادها عن الحرية التي هي من الله وإرهاقها في عبودية هي من صنع الشرير مجسّدة بأمراض وكوارث إقتصادية وحروب وما الى ذلك. ولكن هؤلاء لا يعلمون أن الله لا يترك خاصته وأنه يتدخل في الوقت المناسب لينجي الذين يدعونه من عمق قلوبهم ومن صفاء ضمائرهم.

في الختام فإن صوت الضمير يحاول أن يُوجِّه قرارات ​الإنسان​. والإنسان ربما لا يُحقِّق دائماً متطلبات الضمير، إذ أنه حُرٌّ في الاختيار، ولكنه لا يمكنه أن يتجاهل صوت الضمير؛ وإذا حدث أن تجاهله، فلن يقدر أن يهرب من تبكيته الداخلي. نُلاحِظ أن الضمير يتكلَّم، ليس فقط عمَّا هو صالح، أو يكشف ما هو شرير نظرياً، ولكنه أيضاً يحثّ الإنسان على عمل الصالحات وتجنُّب الشر. والأعمال الصالحة يتبعها شعورٌ بالاطمئنان والسرور، في حين أن الأعمال الشريرة ينتج عنها الشعور بالخزي والخوف وانعدام ​السلام​ الروحي. وفي كل ذلك يكشف الضمير فينا عن درايتنا بالإرادة الحُرَّة والمسؤولية. ولنا أن نختار.

*اسقف افاميا والمعتمد البطريركي الارثوذكسي في الريو دي جانيرو-البرازيل