لم يمض الكلام الصادر عن الشيخ احمد قبلان (وهو نجل رئيس ​المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى​ الشيخ ​عبد الامير قبلان​)، دون ردود فعل من كل حدب وصوب، صبّت كلها في خانة رفض كلامه واعتباره بمثابة دعوة الى التقسيم. ردّة الفعل هذه غالباً ما كانت تأتي من الطوائف الاسلامية حين كانت مثل هذه المواقف تصدر عن زعماء ورؤساء احزاب تيارات مسيحيّة، ولكنها المرة الاولى التي تصدر عن شخص له مكانة (ولو غير رسمية) في الطائفة الشيعية. لا شك ان الشيخ قبلان الابن قد اصاب في جزء مما قاله، حين اعتبر ان البلد قائم على الطائفية، وهو امر صحيح رغم ان الطوائف كلها شاركت وتعاضدت لنيل ​الاستقلال​، والشهداء الذين سقطوا في ذلك الوقت لم ينتموا الى طائفة او مذهب واحد، بل اختلطت دماؤهم معاً في سبيل تحقيق الهدف المشترك. منذ منتصف الاربعينات، والطائفية موجودة وقد تم تسييرها بغطاء توافقي، وهو ما لا يمكن لاحد ان ينكره، غير ان هذه الآفة كانت بسيطة وكان خطرها وتداعياتها محدودة جداً، على عكس ما هي عليه اليوم. اما بقية ما جاء في كلام الشيخ المذكور، فلا مكان له في المنطق والواقع، لان تغيير ​الدستور​ والطائف حالياً غير ممكن للاسباب التي باتت معروفة، فيما الدستور نفسه ينادي ب​الغاء الطائفية​ السياسية وهو تمهيد صحيح لالغائها من البلد بشكل عام، دون ان تمحى من قلوب ونفوس من ينتمون الى كل طائفة ودين، على غرار معظم دول العالم.

اللافت ان هذه الدعوة اتت من بيئة لطالما وقفت بقوة ضد ​الفدرالية​ والتقسيم، فمن الناحية الرسمية، من غير الممكن ان يقبل رئيس مجلس النواب (وهو شيعي) بهذه الدعوة، كما ان الامين العام ل​حزب الله​ ردد اكثر من مرة وبشكل علني رفضه التقسيم واعتباره بمثابة انهاء هوية لبنان الذي نعرفه. صحيح انه في المفهوم العام، لا تعني الفدرالية تقسيم لبنان، لكنها عملياً وخصوصاً في لبنان، لا توصل الا الى ذلك. اما من الناحية العملية، هل سيقتنع احد ان المساحة الجغرافية الصغيرة لهذا البلد لن تؤدي الى خلافات عميقة لجهة ترسيم حدود كل اقليم او ولاية؟ وهل سيكون من السهل اقناع اللبنانيين الذين عايشوا الحرب اللبنانيّة لفترة طويلة من الزمن، ان الفدرالية لن تعني تقوقع كل اقليم او ولاية ضمن حدوده واعتبار نفسه مستهدفاً من قبل الآخر؟ واذا كنا غير قادرين على الاتفاق على مناطق انشاء معامل الكهرباء او بلوكات التنقيب على ​النفط والغاز​، هل ستكون الامور اكثر سهولة لانشاء الفدرالية؟ ومن الناحية العملية، من سيكون الرئيس الفدرالي الذي سيدير البلد ككل؟ وماذا ستكون طائفته ومذهبه؟ وما هي صلاحياته؟ وكيف سيتم انتخابه؟ قد يكون لكل سؤال جواب، ولكن الاجوبة ليست بهذه السهولة او القدرة على التطبيق في ظل التدخلات الخارجية في كل مناسبة والقدرة على قلب الامور رأساً على عقب في لحظة واحدة. وعلى الرغم من ان من اطلق الدعوة هذه المرة كان شيعياً، الا ان الردود الرافضة عليه اتت ممن يناسبهم الموضوع وقد نادوا به اما مباشرة او بطريقة غير مباشرة اي المسيحيين و​الدروز​، فيما الرد الشيعي اتى خجولاً، ربما لعلم القيّمين على هذه الطائفة انهم اكثر المتضررين من هذا الامر، رغم كونهم الاكثر اهلية لتقبّله والتأقلم معه، لكن العوامل الجغرافية والطائفية والسياسية ليست لصالحهم، خصوصاً في هذه الظروف حيث يصبح استهدافهم بالغ السهولة، وهذا ما يدركونه تماماً، ولذلك يعلنون مراراً وتكراراً تمسكهم بالعيش المشترك وبحقوق الطوائف وبالصيغ التي تضمن طمأنة المسيحيين والدروز والمذهب السنّي، دون ان يعني ذلك عدم وجود خلافات في النظرة السياسية والدينية للامور، لكنها تبقى "مضبوطة" الى حد ما.

يمكن القول بأن هذه الدعوة ولدت ميتة، ولكنّها حرّكت قليلاً الجمود في المياه السياسية الراكدة منذ فترة بسبب الانشغال الكبير في معالجة ومواجهة وباء ​كورونا​ والازمة الاقتصادية والمالية، وما طرحها في هذا التوقيتت بالذات سوى دليل على انها غير قابلة للحياة.