لن تمر المواقف التي أطلقها أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، في حديثه الإذاعي الأخير، مرور الكرام، لا سيما أنها كانت تتميز بالجرأة والصراحة في لحظة مصيرية يمر بها لبنان على مختلف المستويات، خصوصاً على مستوى معركة ​مكافحة الفساد​.

إنطلاقاً من ذلك، ينبغي النظر إلى تلك المواقف على أساس السياق الذي جاءت فيه، حيث كانت العلاقة مع بعض الحلفاء، تحديداً "​التيار الوطني الحر​"، قد شهدت توتراً على خلفية معركة مكافحة الفساد، بالرغم من أن السيد نصرالله حرص على التأكيد بأنها لا تحتاج إلى أي ترميم بل تم الإتفاق على تطويرها في المرحلة المقبلة.

بالتزامن، لا يمكن تجاهل أن هذه المواقف جاءت بعد المواقف النارية التي أطلقها المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​ خلال خطبة عيد الفطر، والتي أثارت حولها الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً على مستوى موقف "حزب الله" و"​حركة أمل​" منها، الأمر الذي أعاد طروحات البحث في الصيغة اللبنانية، ودفع البعض إلى طرح نظرية الذهاب إلى النظام الفيدرالي من جديد، حيث كان حاسماً بأن النظام يحتاج إلى تطوير على قاعدة عدم نسفه بشكل كامل.

في هذا الإطار، كان من الواضح أن أمين عام "حزب الله" أراد أن يقول لحلفائه، خصوصاً "التيار الوطني الحر"، أن لديه خطوطاً حمراء لا يمكن له أن يتجاوزها، لا تتعلق بحماية أي من الشخصيات التي قد تكون متورطة بالفساد بحال كانت محسوبة عليه، بل في كيفية تعامله مع هذه المعركة الصعبة، تكمن بـ"الفوبيا" التي لديه من أن تقود إلى تقسيم البلد أو إلى حرب أهلية، ما دفعه إلى طرح معادلة أن التغيير يبدأ من المواطنين، أي المحاسبة في الإنتخابات النيابية والضغط على الجهات الرسمية المعنية.

ضمن هذا السياق، من الممكن أن تُطرح الكثير من الأسئلة، حول ما إذا كانت البلاد لا تزال تحتمل التروي في معركة مكافحة الفساد، لا سيما بعد الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي شهدته في الأشهر الماضية، مع العلم أن المواطنين لا يزالون حتى اليوم ينتظرون محاسبة أياً من المسؤولين الكبار عن المرحلة السابقة، كما أن "التيار الوطني الحر" قد لا يكون له مصلحة في إعتماد إستراتيجية الحزب، التي تعتبر أن هذه المعركة تحتاج إلى سنوات للوصول إلى النتائج المرجوة، حيث أنه بحاجة إلى إنجازات في الفترة الفاصلة عن إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.

بالإضافة إلى ذلك، هل من الممكن الحديث عن دور المواطنين، أو المحاسبة الشعبية، في ظل القوانين الإنتخابية التي تعتمد، والتي في كل مرة تقود إلى إعادة التجديد للطبقة السياسية نفسها، وهل من الممكن أن يقود الحزب معركة من هذا النوع، طالما أنه، بحسب ما أعلن السيد نصرالله، يتجنب الدخول في المواجهة التي من الممكن أن تؤدي به إلى أن "يدعس" على أحد "الألغام"؟.

وفي حين كان من الواضح أن أمين عام "حزب الله" يعتبر أن معالجة الأزمة الإقتصادية ممكنة، بغض النظر عن مسار معركة مكافحة الفساد، خصوصاً أن الخيارات غير محصورة في ​صندوق النقد الدولي​، طارحاً من جديد موضوع التوجه إلى الشرق الذي يحتاج إلى المزيد من التشجيع للحكومة، لا يمكن تجاهل معادلة أن البلاد ستكون، في الأيام المقبلة، على موعد مع المزيد من المواجهات على المستوى الداخلي، سواء بين حلفاء الفريق الواحد داخل قوى الثامن من آذار، أو مع القوى التي كانت منضوية في تحالف قوى الرابع عشر من آذار، أو مع ​الحراك الشعبي​ الذي يتحضر للعودة إلى الساحات من جديد.

في المحصلة، يبدو أن "حزب الله" أراد أن يوجه رسالة جديدة إلى حلفائه، تشبه تلك التي كان قد أوصلها السيد نصرالله عندما تطرق إلى قضية عامر الفاخوري لكن بلهجة أقل حدة، عنوانها أن التحالف لا يعني التطابق من جهة، ومن جهة ثانية لا يمكن لأي حليف أن يقوده إلى أي معركة بالأسلوب الذي يراه هو مناسباً، نظراً إلى أن التحالف لا يعني التبعية أو التطابق في المواقف في كل شيء، وهو ما حرص على التأكيد عليه في أكثر من مرة، خصوصاً بالنسبة إلى العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، بالتزامن مع الحرص على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي لا تقود الا إلى إشعال أي مواجهة غير محسوبة النتائج.