أشار المفتي الجعفري الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​ في رسالة الجمعة لهذا الأسبوع إلى أن "​الإنسان​ أو المواطن أساس نظرية ​الدولة​ أو القانون، وهي بذلك تفترق عن نظرية وحشية الغابة، ففي الغابة يأكل القوي الضعيف، وهذا ممنوع في المجتمع الإنساني، ممنوع بكل أشكاله، وهذا المنع يبدأ من أن نمنع سطوة القوة، وأن نمنع تفلّتها، عبر تنظيمها ضمن حقوق وحدود قيمة الإنسان كعنوان مقدّس وثابت، وبخلفية حماية حقوق الطبقة الضعيفة، ومشروع الدولة كضامن لهوية الإنسان وقيمته وباقي مصالحه الماسّة بخصوص إنسانه، بعيداً عن لعبة موازين القوى، ومعه يبدو واضحاً أن لا حرية بين القوي والضعيف، كما لا حرية بين الثري والجائع، كما لا حرية بين محتكر الأسواق وفقراء الناس، وعليه وظيفة الدولة تكمن هنا، بمنع ​المال​ والقوة والنفوذ من الإطاحة بهوية الدولة ووظيفتها كضامن وكافل لدور الإنسان أو المواطن، وهذا يعتبر قيمة مصدرية لوجود وشرعية الدولة ووظيفتها، هنا يأتي دور الدولة العادل، فوظيفتها ليست حيادية، لأن المفروض أنها دولة عدل، ودولة سلطة حق، ومشروع تأمين وحماية، لا يجوز أن يسيطر عليه المال أو أي قوة أخرى، وإلا تحوّلت الدولة والبلد إلى غابة ينهش فيها القوي الضعيف".

وقال: "للأسف هذه هي مأساة ​لبنان​ اليوم لأن هناك من يحتكر، من يتقوى، من يتنفذ، من يسيطر، بشكل مخيف على مراكز القوة وسط فوضى مخيفة، ​دولار​ متفلّت، تسعير جنوني للسلع، فقر شامل، سقوط مروّع لقدرة الدولة بعد انكشافها عن أزمة ديون لا سابق لها، وعن مالية عامة تنزف بشكل هستيري وأسواق محتكرة وخطوط استيراد يتحكّم بها قلة يسعر بطريقة عشوائية استبدادية، وسط هشاشة مخيفة لدور الدولة. لذلك نحن نصرّ بكل قوة على استعادة الدولة لدورها، خاصة دورها المالي والنقدي والتجاري، ونؤكّد أن الدولة مسؤولة عن حماية الناس، حماية أسواقهم بضائعهم سلعهم أسعارهم، فضلاً عن مسؤوليتها في حماية ​الأمن​ المجتمعي للناس".

وطالب المفتي قبلان الجميع بصحوة وطنية، وناشدهم "أن يتطلعوا إلى ​المستقبل​ على قاعدة أننا كلنا لبنانيون، ومسؤوليتنا كبيرة في الحفاظ على بلدنا، وواجبنا الوطني يفرض علينا الخروج من الأحلام والأوهام، فالواقع الذي وصلنا إليه يحتم علينا البحث في المخارج السليمة والحلول الوطنية التي تجذّر الولاء والانتماء وترفض التبعيات والارتهانات"... محذراً أن "البلد في الهاوية وبات مجرداً من كل عناصر القوة والحماية المجتمعية والاقتصادية، ومكشوفاً على أخطر الانهيارات، والحلول لا يمكن أن تكون لا بمارونية سياسية ولا بسنية سياسية ولا بشيعية سياسية ولا بفدرالية أو كونفدرالية، بل بوطنية سياسية ترقى فوق كل ​الطوائف​ والمذاهب، وتكون على مستوى وطن ودولة ومؤسسات وإدارات كفوءة ونظيفة، لا فساد فيها ولا ارتهان لأي جهة أو تيار سياسي ديدنها خدمة الناس، لا خدمة الأشخاص".