حال خطر تفشي ​فيروس كورونا​ المستجدّ دون عودة الكثير من اللبنانيين إلى الشارع، من أجل التعبير عن غضبهم من تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في الفترة الماضية، بعد أن كانوا قد شاركوا في ​التظاهرات​ الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، بالرغم من بعض التحركات الرمزيّة التي تطلّ بين الحين والآخر، والتي تنذر بإمكانيّة إعادة الزخم لها في أيّ وقت، نظراً إلى أنّ الأسباب الموجبة تتراكم يوماً بعد آخر، وسط عجز القوى السّياسية عن القيام بالحدّ الأدنى من الإجراءات الضروريّة.

وسط هذه الأجواء، وجد ​اللبنانيون​ متنفساً لهم في التطورات التي حصلت، في ​الساعات​ الماضية، في ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، بعد أن أشعلت حادثة ​مقتل مواطن​ أميركي من أصول أفريقيّة تحت أقدام شرطي أميركي موجة واسعة من التحركات الإحتجاجيّة، تخلّلها إحراق مركز شرطة في مدينة ​مينيابوليس​ بولاية ​مينيسوتا​ وقطع بعض الطرق، حيث كانت التعليقات التي تلامس الواقع اللبناني حاضرة بقوّة على ​مواقع التواصل الإجتماعي​.

"​أميركا​ تنتفض" كان "الوسم" الأكثر إنتشاراً على مواقع التواصل الإجتماعي، في تكرار لـ"لبنان ينتفض" الذي كان قد انتشر على نطاق واسع في الفترة الماضية، حيث أعاد اللبنانيون تحته التعليق على الحدث الأميركي بعد إسقاط المشهد المحلي عليه، فكانت الدعوات التي وجّهت إلى الأميركيين ل​قطع الطرقات​ أمام منازل المسؤولين لا على المواطنين، الذين يريدون التنقل من منطقة إلى أخرى، بالإضافة إلى نسب تعليقات لمسؤولين أميركيين تشبه تلك التي كرّرها فيما سبق اللبنانيون، كتلك التي تنقل عن أعضاء في الحزب "الجمهوري" عدم السماح لهم بالعمل من قبل أعضاء الحزب "الديمقراطي".

بالتزامن، كانت الدعوات إلى إستعادة ​الأموال المنهوبة​ أو المهربة إلى الخارج، وأخرى إلى إطفاء الأنوار أمام منازل المسؤولين لإضاءة منازل المواطنين، بالتزامن مع تعليقات عن توقع إنسحاب بعض ​المتظاهرين​ بعد أيام من إندلاع الإحتجاجات بسبب إكتشاف وجود "مؤامرة"، ونشر صور عن تحرك "باص ​الثورة​" من ولاية إلى أخرى، ولمناصرين للرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ يحملون ​السلاح​، كانت قد انتشرت في وقت سابق، على أساس أنهم يتحضّرون لمواجهة المتظاهرين، من دون تجاهل إطلاق تسمية "عروس الثورة" على بعض الولايات، أو الإتهامات بوجود تدخلات خارجية داعمة لهم، من كندا أو ​المكسيك​ أو دول أخرى، أو القول ان الإحتجاجات بدأت بالشكل نفسه في دولة ما، قبل أن تتحول إلى مواجهة مسلّحة، في تحذير لما قد يحصل في المقبل من الأيام.

جميع هذه التعليقات الساخرة، التي تعبّر عن الروح المرحة لدى اللبنانيين، تؤكد أنهم كانوا ينتظرون أيّ حدث للتعبير عن الواقع الأليم الذي يعيشونه، لكن اللافت هو تناول الإتهامات، حول الحدث الأميركي، بروح رياضيّة، أيّ من دون أيّ توتر بين الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي، على عكس ما كان عليه الواقع حول الحدث المحلّي، فالجميع بات اليوم، على ما يبدو، بحاجة إلى متنفّس يساهم في خفض مستوى القلق والتوتر الذي يمرّ به، في ظل تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية.

في المقابل، هي قد تكون مؤشراً على أن قسماً كبيراً من اللبنانيين ينتظر الإنتهاء من خطر كورونا للعودة إلى الشارع من جديد، على قاعدة أنهم لم يلسموا أي تغيير جدّي، لا في سلوك القوى السّياسية ولا في أداء ​الحكومة الجديدة​، وهو ما ترتفع مؤشّراته يوماً بعد آخر بشكل أكبر، على أمل أن تسود الروح الرياضية في التعامل مع الحدث المحلي، لا أن تطغى لغة التحريض التي كانت سائدة قبل ساعات قليلة من إنطلاق الحدث الأميركي، كما أنّها قد تكون مؤشراً على أنّ اللبنانيين باتوا بحاجة إلى أيّ متنفس يخرجهم من الواقع الذي يعيشون فيه.