كلمةُ مَجْمَعْ Συναγωγή هي في أصلها اليوناني كلمة مركبّة، Σύν معًا و ἄγω أقود، فَيكون معناها نَقودُ معًا. هناك سَبعةُ مجامع مسكونيّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وهذا الأحد نُقيم تذكار آباء المجمع المسكوني الأوّل الذي انعقد في نيقية عام ٣٢٥م.

كمبدأ أساسيّ، سَببُ انعقاد المجمع في الكنيسة، هوَ معالجة هرطقة، والآباء يجتمعون لإعلان الإيمان الحقيقيّ كي لا يضلَّ المؤمنون. وهذا ما حصل تمامًا في المجمع المسكوني الأوّل، إذ قام رَجُلٌ يُدعى أريوس ورَفَضَ ألوهةَ المسيح، فوقع في الشطط وجَذَبَ معه كثيرين مستعملاً وسائلَ شتَّى، مِنها تأليف أغاني شعبيّة تَدعم هرطقته.

بالمقابل، لم تقف الكنيسة مكتوفةَ الأيدي، فإلى جانب المجمع قامَ القدّيس أثناسيوس الكبير (٢٩٦-٣٧٣م) أيضًا بتأليف أغانيَ شعبيّة معبِّرة تدحضُ هذه الهرطقة وتُظهِرُ الإيمانَ المستقيم، وقد شَكّل هذا القدّيس سدّاً منيعاً في وجه تعاليم أريوس المنحرفة واعتُبِرَ لَولَبَ مجمعِ نيقية.

ولم تنتهِ معركة القدّيس أثناسيوس ضد أريوس بعد انتهاء المجمع، بل امتدّت إلى سنينَ طوال، دفع فيها أثناسيوس ثمناً باهظاً، إذ نُفِيَ خمسَ مرّاتٍ عن بطريركيته في الإسكندريّة، لدرجة أن أسقف روما حينها قال له: "ألم تتعب يا أثناسيوس، ​العالم​ كلُّه ضدَّك؟ فكان جوابه لا، أنا ضدُّ العالم"، قاصدًا بذلك أن الإيمان المستقيم هو الغالب حتَّى ولو اجتمعت ضدّه كل قوى الشر.

الموقف الواحد للآباء القدّيسين يأتي مِن الإيمان الواحد والهمِّ الواحد. هذا الهمُّ هو الحفاظ على وديعةِ الإيمانِ المُسلَّمةِ مِنَ الرسل الأطهار الذين بدورهم أخذوها مباشرةً مِن الرّب ​يسوع المسيح​.

وهنا علينا الانتباه جيّدًا، فعندما لا نفهم يجب أن نسأل كي لا ننحرف. ومَن نسأله يجب أن يكون مُدركًا لما يقوله، ويعيش إيمانه ويجاهد مِن أجله.

خيرُ مثالٍ على ذلك مجيءُ القدّيس أنطونيوس الكبير إلى الإسكندريّة ليتناقشَ مع الأريوسيين بطلبٍ مِن القدّيس أثناسيوس، إذ كان الأخير صديقًا لأنطونيوس ويلجأ إليه، مع العلم أن أثناسيوس كان بطريركًا وأنطونيوس راهبًا. وجميلٌ أن نعرفَ أنَّ القدّيسَ أثناسيوس هو الذي كتبَ سيرة القدّيس أنطونيوس وكانت كتابتُه هذهِ نموذجًا لكتابةِ سِيَرِ القدّيسينَ في الكنيسة.

فبعد أن استمع القدّيس أنطونيوس لرفضِ الأريوسيين لألوهة يسوع، قال لهم وهو في حالة صلاة: "أنا لا أعرف على مَن تتكلمون ومَن هو إلهكم!، وأؤكّد لكم، حتمًا هو ليس نفس الإله الحي الرّبّ يسوع المسيح الذي أنا أعرفه تمام المعرفة وأعيش معه". وتركهم مذهولين ببساطته وعمقه في الوقت ذاته. فقد أتى رجل الصحراء ليشهد لإله يعرفهُ، ويقابلهُ، ويسكن معهُ، ويكلّمهُ ويصغي إليه، وليس لإلهٍ مِن صنعِ الفكر ​الإنسان​ي المحدود الذي يريد أن يُصغّر الله على مقياس عقله المخلوق.

وهنا لا بدّ لنا مِنَ التوقّفِ عند النقاط التالية:

-الله تجسّدَ لأنه يحبُّنا. ولا معنى للمحبّة إن بقيت محصورةً بذاتها، فلا الثالوث القدّوس تشريكًا ولا التجسّد، بل شركة محبّة واحدة.

-لماذا نرفض التجسّد؟ أليس اللهُ قادراً على كلِّ شيء؟ ألا يستطيع أن يتجسّد ويبقى في الوقت نفسه إلهًا؟ هل نخاف على الله أن يتدنّس إذا اتّحد بالإنسان؟ أليس هو الأقوى؟.

-تجسّدَ اللهُ لكي يعلّمَنا كيفَ نحيا الإنسانية بالألوهة. فإن عشناها كما عاشها هو نرتقي إلى الإلهيات.

-عبارة "ابن الله" تعني أن ليسوع الطبيعة الإلهيّة الكاملة، تمامًا كما أخذ الطبيعة البشرية الكاملة بتجسّده، علمًا أن هذه كلّها تبقى مفردات بشريّة محدودة.

نهايةً، نحن مدعوُّون للدخولِ في شركةِ محبّةٍ كاملةٍ مع الله وعلاقةِ بنوَّةٍ معهُ. اللهُ العليُّ أرادَ بملءِ إرادتهِ ألا يبقى بعيدًا عن الإنسانِ معشوقِهِ، فنزلَ إليهِ واتّحدَ به ليرفعَهُ إليه. فهل نعي ذلك؟.