كان من الطبيعي أن تخمد "الثورة" أو ​الحراك الشعبي​ لكي نكون أكثر دقّة، في زمن "​الكورونا​"، وطوال الفترة الماضية كان النقاش حول ما إذا كانت التحركات على الارض ستعود مع تخفيف إجراءات التعبئة العامة أم لا، وأحيانا كنا نسمع عن تحديد "تواريخ" لإعادة الحياة للتظاهرات والإعتصامات، وكان التاريخ الأبرز 6 حزيران، علما أنّ التعبئة العامة مستمرّة على الأقل حتى 8 منه.

إن هذه التكهنات، أسقطتها إحدى "قادة" الحراك، من الفئة التي تنضوي تحت راية المجتمع المدني المدعوم من منظّمات دوليّة "إنسانيّة"، منذ أيّام قليلة، وتحديدا بداية الاسبوع الماضي، عندما تحدثت عن "مخطّط" لإقامة تحركات فعّالة، لا تحتاج الى أعداد غفيرة، تؤدي الغاية المطلوبة منها، وبعدها بأيام، كان التحرّك الاول.

نهار الجمعة الماضي، بعد جلسة ​مجلس الوزراء​ الصاخبة، التي أُعيد فيها إحياء ملف معمل سلعاتا، إثر تسوية بين ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة ​حسان دياب​، بوساطة اللواء عباس ابراهيم، تحرك المحتجّون، ولكن ليس اعتراضا على ما يجري بمجلس الوزراء، ولا على كيفيّة إقامة التسويات على حساب المواطن وخزينته، بل أمام مقر رئاسة مجلس النواب في ​عين التينة​.

تشير مصادر مطّلعة الى أن التحرك المذكور لم يكن بريئا، وبالدليل، فقد أقدم هؤلاء على "شراء" المشكل، مع عناصر الاستقصاء التابعين لمؤسسة ​قوى الأمن الداخلي​، عبر ترداد الشعارات المسيئة والاستفزاز، وبعد أن نجحوا في الهدف الاول، توجهوا نحو مقر وزارة الداخليّة والبلديات في الصنائع، وأخرجوا الصور الصغيرة لرئيس المجلس، والمجّهزة مسبقا، وأحرقوها، مع نقل المشهد مباشرة على الهواء، ليصل الى مناصري ​حركة أمل​، فتقع المشكلة الكبيرة.

لم يكن التحرك هذا يتيما، بل أعاد "الثوار" الكرّة يوم السبت الماضي، عندما طالبوا، للمرة الاولى بهذا الشكل العلني، من أمام قصر العدل في بيروت بنزع سلاح ​حزب الله​، وطلبوا المساعدة من ​المجتمع الدولي​ و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة، وهذا التحرّك يستهدف أيضا نفس البيئة التي يستهدفها التحرك امام عين التينة. فما هي الأهداف؟.

ترى المصادر أن هذه الممارسات كانت تهدف لأمرين أساسيين، أحدهما آنيّ، والثاني مستقبليّ. بالنسبة الى الهدف الأول فهو قد تحدثت عنه ناشطة مدنيّة، وهو "إعادة شدّ العصب"، وتوتير الشارع بغية استثماره في تحركات مقبلة، مع العلم أن هذه الخطوة التي سبّبت بلبلة في البلد قام بها عدد محدود من الشبّان، ما يُثبت أنّ الاستقرار الذي نعيشه هشّا.

أما الهدف الثاني فهو الأشد خطورة، فمن وجهة نظر المصادر، فإن هذه التحركات التي جاءت بعد أقل من 24 ساعة على تمجيد دور ​نبيه بري​ الوطني، من قبل كل الكتل النيابية، يهدف لمواكبة كل الشعارات التي تُطلق باتجاه "التقسيم"، فالمطلوب هو خلق جوّ وطنيّ مساند لفكرة ​الفيدرالية​، التي يجري الترويج لها من قبل شخصيّات سياسية، وبرامج إعلاميّة، تسلّط الضوء على الفكرة وتفسّرها، وتحاول إظهارها وكأنها الحلّ المنشود لدولة ​لبنان​ التي لا يتفق حول ماهيتها السياسيون، ولا حول دور لبنان الإقليمي، ولا حول هوية لبنان.

ترى المصادر أنّ فرقا من الحراك، معروفة الهوى، ستتوجه نحو هذا الهدف، وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك من ناشطين مستمرين بالسعيعلى طريق المطالب المعيشية، إنما تلك الفرق المشبوهة ستحاولخلق النزاعات مع الطائفة التي تتمسك "بالسلاح و​المقاومة​"، وإظهارها كعائق امام بناء الدولة، لتلتقي بهذه الطروحات مع قوى سياسية تلعب دورا أساسيا في احداث "الثورة اللبنانية"، فهل تنجح هذه الجماعات باستدراج الشارع الى أزمات أمنية تعزّز موقفها، وهل بات الشارع مكانا للمطالب الشعبيّة أم لتصفية الحسابات السّياسية؟.