كثر في الأيّام القليلة الماضية الحديث عن قُرب حُصول تعديل حُكومي كبير، وحتى عن إحتمال إستقالة الحُكومة الحالية برئاسة الدُكتور حسّان دياب. وهناك من ذهب بعيدًا بالحديث عن إتصالات خلف الكواليس تمهيدًا لعودة رئيس الحُكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى الحُكم. فهل هذه المَعلومات صحيحة، أم أنّها مُجرّد إشاعات؟.

لا شكّ أنّ الوضع الحُكومي برمّته غير متين، لأكثر من سبب وسبب، لكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ ورقة الحُكومة الحاليّة قد إستهلكت، وأنّه حان وقت إستبدالها. ولا شكّ أيضًا أنّها تتعرّض لحملات سياسيّة وإعلاميّة قويّة، من أكثر من جهة وطرف، وذلك بسبب غرقها بخلافات داخليّة مُتتالية، بشكل خيّب آمال كل من عوّل على أنّها ستكون مُختلفة عن سابقاتها، وبسبب حديث رئيسها عن إنجازات لم تُترجم على الأرض، خُصوصًا بالنسبة إلى الناس الغاضبين من سرعة فقدانهم لوظائفهم، ومن سرعة فُقدانهم لقُدراتهم الشرائية، وكذلك بالنسبة إلى كل الأشخاص الذين ضاقوا ذرعًا بالإنجازات الكلاميّة. كما أنّ رئيس الحُكومة يتعرّض لحملة مُبرمجة من خُصومه داخل الطائفة السُنيّة، تحت عناوين مُختلفة، منها التخلّي عن سُلطات رئاسة الحُكومة والتغاضي عن مُخالفات دُستوريّة عدّة، ومنها أيضًا ضُعف التمثيل الشعبي والحُضور السياسي، ومنها كذلك الأمر الدُخول في تسويات ومُحاصصات على مُستوى ​التعيينات​، في "سيناريو" سبق أن شاهده ال​لبنان​يّون مرارًا وتكرارًا! وكان لقيام رئيس الحُكومة بتعديل موقفه من معمل ​سلعاتا​ الكهربائي بشكل مُفاجئ، ودُخوله على خطّ تعيين مُحافظ جديد ل​مدينة بيروت​، ومدير جديد ل​مجلس الخدمة المدنية​، إرتدادات سلبيّة، إستغلّها خُصوم دياب للإنقضاض عليه.

لكنّ هذه الحملات المُركّزة ما كانت لتلقى أيّ صدى، لولا الأرضيّة الخصبة لها، والتي تمثّلت أخيرًا في أكثر من ثغرة حُكوميّة، بشكل أسفر عن إنهيار هالة التمايز التي حرصت الحُكومة على وسم نفسها بها. وشملت هذه الثغرات إستمرار إرتفاع سعر صرف ​الدولار​ الأميركي في مُقابل ​الليرة​ اللبنانيّة، على الرغم من كل المُحاولات لتغيير هذا الواقع، ومنها إعتقال مسؤوليّن ماليّين كبار! كما شملت تلويح "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" بإستقالة من يُمثّله في الحُكومة، على خلفيّة التعيينات في المناصب الخاصة بالطائفة الدُرزيّة، ولا سيّما منصب قائد ​الشرطة​ القضائيّة، بعد تهديدات مُماثلة سابقة من قبل "تيّار ​المردة​" وقبله من قبل "​حركة أمل​"، وذلك على الرغم من كل ما قيل عن إستقلاليّة الحُكومة! وتمثّلت هذه الثغرات أيضًا بالخلاف المَفتوح بين وزيرة ​العدل​، ​ماري كلود نجم​، والجهة السياسيّة التي تقف خلفها من جهة، و​مجلس القضاء الأعلى​ من جهة أخرى، بشأن تباين وجهات النظر من التشكيلات القضائيّة، خاصة وأنّ هذا الخلاف بات مَكشوفًا على العلن، عبر بيانات وتغريدات ومُلاحظات قاسية! وبلغت الثغرات حدّ إطلاق حملات مُركّزة على وزراء الماليّة والإتّصالات و​الإقتصاد​ وغيرهم في ​الحكومة​ الحاليّة، من قبل جهات سياسيّة وإعلاميّة مُحسوبة على الفريق السياسي الذي يُفترض أن يكون داعمًا لهذه الحُكومة!.

والأمثلة الأخرى على الثغرات الحُكوميّة لا تنتهي، وهي تأتي لتُكمّل مشهد مُحاصرة الحكومة عبر الضُغوط العربيّة والدَوليّة المُتواصلة، والتي تترافق مع ​تقارير​ تتحدّث عن عدم إستعداد أيّ جهة خارجيّة لمدّ لبنان بأي مُساعدة ماديّة أو ماليّة، ما لم تتمّ مُعالجة نُفوذ "​حزب الله​" في ​الدولة​ ككل! وبسبب طول الفترة المُتوقّعة للمُفاوضات مع صُندوق النقد الدَولي، كثرت الإشاعات غير الإيجابيّة على هذا الخطّ، خاصة في ظلّ عدم توحيد موقف المُفاوضين اللبنانيّين، وفي ظلّ البلبلة الحاصلة على مُستوى التنسيق بين القطاعين العام والخاص. والضُغوط على الحكومة، تتناول أيضًا ملفّ التجديد للقوّات الدَوليّة العاملة في ​الجنوب​ اللبناني، حيث تُحاول جهّات خارجيّة الدُخول على هذا الخطّ شاهرة سلاح الإبتزاز. من جهة أخرى، إنّ "قانون قيصر" الأميركي الذي يستهدف تشديد الخناق على النظام السُوري، سيكون له بدون شكّ إرتدادات سلبيّة على لبنان. في غُضون ذلك، إرتفعت أعداد ​جرائم القتل​ والسرقة والفلتان المُسلّح بشكل عام، بسبب ​الأزمة​ المعيشيّة والحياتيّة القائمة، ما أعطى مُعارضي الحُكومة أسبابًا إضافيّة للإنتقاد. وليس بسرّ أنّ التحضيرات قائمة على قدم وساق، ل​تظاهرة​ شعبيّة مركزيّة كبرى يوم السبت المُقبل، الأمر الذي يُنتظر أن يفتح الباب واسعًا أمام موجة جديدة من التحركات الإحتجاجيّة التي ستضعف هيبة الحُكومة.

لكن وعلى الرغم من هذا المشهد السوداويّ، فإنّ تحالف "التيّار الوطني الحُرّ" وقوى "8 آذار"، والذي كان قد أمّن–ولا يزال، الغطاء السياسي والنيابي للحُكومة الحالية، لن يسحب الغطاء عنها في الوقت الراهن. حتى أنّ إحتمال اللجُوء إلى تعديل وزاري محدود-كما تردّد إعلاميًا، هو في حكم المُؤجّل حاليًا، علمًا أنّه طُرح للبحث خلف الكواليس من قبل بعض القوى الداعمة للحُكومة. وبالنسبة إلى رئيس "تيّار المُستقبل"، فهو–وعلى الرغم من رغبته في العودة إلى السُلطة، لا يريد حمل كرة النار حاليًا، بل يُفضّل إلقاء إرتدادات الأزمة الراهنة على سواه. وأصلاً، ما لم يضمن الحريري حُصوله على مُساعدات ماليّة عربيّة ودَوليّة فوريّة، فإنّه لن يُغامر بالسعي للعودة إلى السُلطة في المرحلة الراهنة، هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" وغيره من القوى، لا يُمانعون هذه العودة.

في الختام، حُكومة الدُكتور دياب باقية في المدى المَنظور، والأشهر القليلة المُقبلة مصيريّة، ليس لها فحسب، إنّما للعهد ككلّ، لناحية ​تحقيق​ النجاح الذي طال إنتظاره أو الغرق بالفشل التام. وحتى الجهات التي تتمنّى التعثّر لهذه الحُكومة، وتحلم بالعودة إلى السُلطة على حصان أبيض، تُدرك–كما غيرها، أنّ فشل هذه الحُكومة وسُقوط كل الأحمال الثقيلة المَوروثة، من يدها، قد لا يترك أيّ فرصة لأيّ جهة للقيام بمهمّة الإنقاذ في المُستقبل، لأنه بكل بساطة لن يبقى ما يُمكن إنقاذه!.