لا شكّ في أنّ كلّ صوت يحاول المسّ ب​سلاح المقاومة​، لا سيما من خلال الحديث مجدّداً عن ​القرار 1559​ الذي طواه النسيان، هو صوت مشبوه لأنه بكلّ بساطة يخدم أجندة العدو «الإسرائيلي» ومَن يدعمه من دول أجنبية وعربية، خاصة أنّ هذا العدو لم يستطع أن يحقق أيّ هدف من أهدافه في كلّ حروبه واعتداءاته التي لم يعد يجرؤ على تكرارها بعد الدروس القاسية التي تلقاها على أيدي المقاومين الأشدّاء منذ العام 1982 وصولاً إلى التحرير عام 2000 وبعده انتصار عام 2006.

لذلك لا بدّ من وضع ضوابط وثوابت وأولويات وطنية، تشكل منطلقاً لأيّ تحرك لمجموعات ​الحراك المدني​، كي لا تخرج هذه التحرّكات عن الهدف الأساسي لجهة العمل على ​مكافحة الفساد​ وكشف عورة الطبقة السياسية الحاكمة منذ عشرات السنين.

إذ إنّ تحرك بعض مجموعات الحراك المدني تحت عنوان المطالبة بتطبيق القرار 1559 المعروف المنشأ والهدف، وربط تنفيذه بوقف الفساد ومنع ​السلاح​ غير الشرعيّ يثير الريبة في هذا الوقت، خصوصاً أنه يتزامن مع الحملة التي تستهدف المقاومة والمسعى الأميركي الى تعديل مهام قوات «اليونيفيل» في ​الجنوب​ والمطالبة بنشرها على الحدود مع سورية، بينما لم نسمع من هؤلاء أيّ مطالبة بتطبيق ​القرار 1701​ من أجل وقف الانتهاكات «الإسرائيلية» للسيادة ال​لبنان​ية.

وأيضاً يتزامن ذلك مع دخول ما سُمّي «قانون قيصر» الأميركي ضدّ سورية حيّز التنفيذ، خاصة أنّ الموقف اللبناني الرسمي لا يزال ملتبساً حتى الآن تجاه هذا الأمر، رغم أن لا نقاش في أنّ مصلحة لبنان العليا تقتضي موقفاً حاسماً برفض الالتزام بمثل هذه «القوانين» البعيدة كلّ البعد عن كلّ ما له علاقة بمفاهيم القانون، بل هي جريمة بكلّ ما للكلمة من معنى ترتكبها إدارة أميركية عنصرية ضدّ سورية وشعبها وفي الوقت نفسه ضدّ لبنان وشعبه لأن لا متنفّس للبنان إلا من خلال سورية.

إنّ آخر مَن يحق له الحديث عن قوانين هنا وهناك هو هذه ​الإدارة الأميركية​ التي تتمرّغ صورتها اليوم في شوارع ​الولايات المتحدة​، بعد الجريمة ​العنصرية​ البشعة التي ذهب ضحيتها المواطن الأميركي من ذوي البشرة السوداء ​جورج فلويد​. ولا شكّ في أنّ التطورات الأميركية مرشحة لمزيد من التفاقم لأنّ ترامب وإدارته لم يبادروا إلى أيّ إجراء من شأنه التخفيف من حدّة هذا الغضب الشعبي العارم، بل على العكس من ذلك، إذ مع كلّ تصريح يدلي به ترامب يزداد الغضب الشعبي حدّة، إلى درجة أنّ رئيس شرطة ​هيوستن​ خرج عن طوره ودعا رئيس الولايات المتحدة إلى أن يبقي فمه مقفلاً.

ما هو مؤكد أنّ مواجهة ما تقرّره ​أميركا​ ليست بالأمر الصعب، إذا توفرت الإرادة الصلبة لاتخاذ القرار بالمواجهة، وهذا القرار متوفر بالطبع لدى محور المقاومة، ولا شكّ مطلقاً في أنّ سورية بقيادتها الحكيمة وشعبها الأبي لديها العزم والصلابة والقدرة على صدّ أيّ محاولة للنيل منها مهما بلغت الصعوبات والتحديات.

والمقاومة في لبنان بسيّدها ومجاهديها وجمهورها العريض على امتداد الساحة اللبنانية، أثبتت للمرة المليون أنها عصية على التطويع، وأنها قادرة على الصمود في مواجهة الشدائد.

أما ​الجمهورية​ الإسلامية في ​إيران​ فها هي ناقلات نفطها تعبر البحار الخمسة وتصل إلى ​فنزويلا​ وتكسر الحصار الأميركي المفروض عليها، وتكسر الهيمنة الأميركية المفروضة على فنزويلا وعلى عدد آخر من الدول من دون أيّ وجه حق. وبالتأكيد فإنّ مشهد الناقلات الإيرانية في مياه فنزويلا يحمل في طياته رسالة سياسية واضحة، مفادها أنّ عصر الهيمنة الأميركية ولّى إلى غير رجعة، وأنّ هناك موازين قوى جديدة باتت تفرض نفسها على الساحة الدولية بعيداً عن العنجهية الأميركية، التي بدأت بالسقوط مع تولي ​دونالد ترامب​ مقاليد الحكم.

وبالعودة إلى الداخل اللبناني لا بدّ من التحذير مجدّداً من أولئك الذين يريدون حرف ​الثورة​ المطلبية المحقة للشعب اللبناني الذي بات بمعظمه تحت خط الفقر، إلى غير وجهتها الحقيقية لصالح أجندات مشبوهة باتت واضحة ومكشوفة على الملأ بما تحمل من أهداف غير وطنية، وهذا ما يجب أن يتنبّه له الثوار الحقيقيون الذين لا بدّ أنهم حريصون على ​تحقيق​ الأهداف الحقيقية للتحرك الذي انطلق في 17 تشرين الأول لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين و​القضاء​ على هذا النظام الطائفي المهترئ، باتجاه ​الدولة المدنية​ العادلة التي يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات.