لم يكن تعاطي الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ مع الأحداث التي تشهدها ​الولايات المتحدة​ الأميركية عقب حادثة مقتل ​جورج فلويد​ على يد شرطي، مختلفا عما تعودنا عليه من الرجل المثير للجدل، فبدل أن يحاول تهدئة الموقف، يُشعله بتصريحات، أقل ما يُقال عنها، أنها استفزازيّة للشعب الأميركي، وآخرها كان "التشفّي" بحكّام الولايات، والتهديد بنشر ​الجيش الأميركي​. تعيش كل ولاية أميركيّة استقلالها الإداري عن باقي الولايات، وتتولّى أجهزة ​الشرطة​ المحليّة، بكامل أقسامها، مهمّة حفظ ​الأمن​ والإستقرار، ويتولّى الجيش مهمة حماية الولايات الاميركية من أيّ اعتداء خارجي، إذ يُمنع عمومًا من الانتشار داخل الولايات المتحدة أو أداء وظائف إنفاذ القانون المحلي سوى بشروط صارمة للغاية، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن للرئيس الأميركي ان يستعين بالجيش داخل الولايات.

ينصّ ​الدستور الأميركي​ الصادر عام 1787 على أنّ رئيس ​الولايات المتحدة الأميركية​ هو المسؤول الأول عن ​السلطة​ التنفيذية للحكومة الاتّحادية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو من يفرض ​حالة الطوارئ​ في البلاد ويعلن التعبئة في ​حالات​ الضرورة، ويحق له أن يستخدم سلطته لحفظ النظام بناء على طلب إحدى الولايات، وبإمكانه أيضاً استدعاء الحرس الوطني للولايات الأميركية.

وعندما تحدث ترامب عن استدعاء الجيش، استند على قانون "التمرّد" الصادر عام 1807، والذي يقدّم استثناءات تسمح للرئيس الأميركي بإرسال قوات عسكرية لمواجهة أي تمرد أو عنف أو تصرفات غير قانونية أو مؤامرة تعارض أو تعرقل تنفيذ قوانين الولايات المتحدة أو تعرقل سير العدالة، وينص القانون على أنه يحق له أيضًا، بناء على طلب من الجهاز التشريعي لولاية أو حاكمها باستخدام الجيش الفيدرالي لقمع التمرّد. من هنا جاءت دعوات ترامب لحاكم ​نيويورك​ مارك كوومو، لقبول عرض نشر الحرس الوطني في المدينة، الامر الذي كان رفضه كوومو سابقا، مع العلم أنّ ولاية نيويورك محسوبة على الحزب الديمقراطي خصوم ترامب.

إن تهديد الرئيس الأميركي بتدخل الجيش، دفع بقادة الشرطة لتوبيخه، وهكذا فعل رئيس شرطة ​هيوستن​ آرت أسيفيدو، في رسالة لترامب قال فيها: "نيابة عن جميع رؤساء الشرطة في البلاد، من فضلِك، إذا لم يكن لديك شيء بناء لتقوله، ابقِ فمك مغلقاً، فالأمر لا يتعلّق بالهيمنة، بل بكسب القلوب والعقول". إنّ قانون التمرّد قد استُخدم سابقا في أكثر من مناسبة، أبرزها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في العام 1992 عندما لجأ حاكم ​كاليفورنيا​ حينها إلى تطبيق قانون التمرّد، لفضّ أعمال شغب حدثت في ​لوس أنجلوس​ بعد تبرئة شرطيين كانا ضالعين في قتل رودني كينغ، فطلب الحاكم من الرئيس ​جورج بوش​ الأب التدخّل وهكذا حصل. كذلك، استعمل هذا القانون عام 2005 إبان ​إعصار​ كاترينا.

اليوم، يمكن القول أنّ مفاعيل هذا القانون بدأت بالظهور، كونه يُتيح للرئيس نشر ​القوات​ العسكريّة لحراسة البنية التحتيّة الحيويّة أو تقديم الدعم الطبي أو اللوجستي، وهذا ما يحصل في أكثر من ولاية لحماية منشآت عسكرية حسّاسة، اذ اكّد ​البنتاغون​ أن "أكثر من 67 ألف عنصر من الحرس الوطني منتشرون في الولايات".

لن يكون تدخل ​الجيش الاميركي​ في الشوارع امرا يُمكن نسيانه قريبا، فالحزب الديمقراطي، سيسعى للإستفادة القصوى من الأحداث الحاليّة لقلب الطاولة على دونالد ترامب في ​الانتخابات​ الرئاسيّة المقبلة، مع العلم أنّ الشعب الأميركي المنتفض ضد العنصريّة لا يميّز كثيرا بين الديمقراطيين والجمهوريين في هذا الامر.