فيما كان رئيس الحكومة حسّان دياب يخاطب ال​لبنان​يين، "محتفياً" بمرور مئة يوم على ولادة حكومته، و"متباهياً" بإنجازاتٍ بالجملة قال إنّها حقّقتها، كانت المعارضة "تحتفل" على طريقتها بانتهاء "مهلة السماح" الممنوحة للحكومة، بحصيلة "صفر إنجازات".

قد يكون ذلك مفهوماً بالنظر إلى العلاقة بين دياب والمعارضة، التي تقف له بالمرصاد منذ اليوم الأول لدخوله السراي الحكوميّ، ولا سيّما في شقّها المتّصل بتيار "المستقبل" الراغب بعودة زعيمه ​سعد الحريري​ إلى ​السلطة​، وفقاً لشروطه ومعاييره.

لكن ما لا يبدو مفهوماً أن تجلس هذه المعارضة جانباً خلال الأيام الماضية، لدواعي "مراقبة" دياب يتعرّض لـ "نيران صديقة" من داعميه وعرّابيه، وصولاً إلى حدّ الحديث عن بدء البحث الجدّي في أوساط هؤلاء عن "بدائل" للرجل ولحكومته، وكأنّ أمر "إقصائه" قد صدر.

فلماذا يُستهدَف دياب من قلب حكومته اليوم، ومِن جانب مَن يفترض أن يكونوا "سلاح الدفاع" الأول عنه؟ وهل يصل الأمر إلى حدّ رفع "البطاقة الحمراء" في وجهه، أم يبقى في حدود "جرس الإنذار" الذي يريد البعض من دياب أن يتلقّف الرسالة الكامنة خلفه؟!.

أداء غير مبشّر؟!

بعيداً عن موقف المؤيّدين والمعارضين لدياب على حدّ سواء، ثمّة من يرى أنّ بعض المزاج الشعبيّ إزاء رئيس الحكومة "انقلب" رأساً على عقب منذ تسلّمه سُدّة المسؤولية وحتى اليوم.

فصحيحٌ أنّ الرجل وصل إلى ​رئاسة الحكومة​، بطريقةٍ يراها كثيرون "ملتبسة"، كونه جاء بدعمٍ واضح من أحد المعسكرين التقليديَّيْن المتناحريْن، ما صنّفه سريعاً في خانة "التابع"، فإنّ كثيرين أصرّوا في المقابل، على أنّه لا يشبه أياً ممّن سبقوه، وأنّ صفة "التكنوقراط" التي سعى جاهداً لاعتمادها، تتيح له السير "عكس التيّار"، وبالتالي خوض تجربةٍ حكوميّةٍ رائدةٍ ومختلفة، علماً أنّ ما عزّز وجهة النظر هذه قول الرجل مراراً أنّه يمثّل الحراك الشعبيّ الثوريّ في السلطة.

لكن، بعد أكثر من مئة يوم على وصوله إلى السلطة، لم ينعكس هذا الخطاب "المبشّر" أداءً موازياً على أرض الواقع، برأي كثيرين، بل إنّ الحكومة بدت في خطها العام، "نسخة طبق الأصل" عن الحكومات المتعاقبة التي سبقتها، كما أنّ "الوعود" الكثيرة التي قطعتها تكاد تتفوّق على "الإنتاجيّة" التي غُيّبت لاعتباراتٍ كثيرة. وخير دليلٍ على ذلك لجوء هذه الحكومة إلى سلاح "التأجيل" في التعامل مع الكثير من الاستحقاقات، ولا سيما ما يتعلق منها ب​التعيينات​، التي لم تبصر حتى الآن النور في كلّ مستوياتها، من ماليّة ومصرفيّة وإداريّة، فيما بقيت ​التشكيلات القضائية​ "عالقة" لأسابيع، ولا يُعتقد أنّها ستخرج إلى ​الضوء​ قريباً.

وإذا كانت الخطة الاقتصادية أبصرت النور بعد طول عناء، من دون أن يتمخّض عن المفاوضات الماراثونية مع ​صندوق النقد​ الدولي، والتي قد تستمرّ طويلاً على ما يقول المراقبون، أيّ "بشائر" تُذكَر حتى الآن،فإنّ خطاب "الإنجازات" الذي ألقاه دياب فاقم الأمر بدل تخفيفه، علماً أنّ البعض أخذ على الرجل أنّه كان "يبشّر"، بشكلٍ موازٍ وعبر الإعلام العالميّ، بـ"مجاعةٍ" مقبلةٍ على لبنان، أمرٌ وضعه "حسنو النيّة" في إطار ​سياسة​ "التسوّل" التي لا تصبّ أيضاً في صالح الحكومة ووعودها الكثيرة.

القشّة التي قصمت ظهر البعير...

كلّ ما سبق قد لا يكون جديداً، وبالتالي لا يبدو مقنعاً في تبرير "الحملة" المستجدّة على الحكومة من "أهل بيتها"، ما يدفع إلى السؤال عن ماهيّة "التحوّل النوعيّ" الذي يدفع عرّابي الحكومة إلى البحث عن "بدائل"، أو بالحدّ الأدنى "التهويل" على الحكومة ورئيسها، لعلّه يعيد النظر بسياساته واستراتيجيّاته.

ثمّة من يردّ الموضوع إلى "عدم رضا" هؤلاء العرّابين عن الصيغة التي خلصت إليها الحكومة، خصوصاً ممّن كانوا يعتقدون أنّ الحكومة "ملكيّتهم"، وبالتالي أنّهم قادرون على التحكّم بقراراتها وفق مشيئتهم. قد ينطبق ذلك على "​التيار الوطني الحر​" الذي ثمّة من يعتبر أنّه كان يتمتّع بـ"حرية مطلقة" في الحكومات السابقة أكثر ممّا هو حالياً، بدليل "الصدمة" التي خلّفها التصويت المفاجئ الذي حصل قبل مدّة حول معمل ​سلعاتا​ الكهربائيّ، ما اضطر ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ إلى مطالبة الحكومة بإعادة النظر بقرارها، الأمر الذي يرى كثيرون أنّه أوقع الحكومة في "إحراج" كانت بغنى عنه.

ويُضاف إلى ذلك أنّ "التيار" غير راضٍ لعدم قدرته حتى الآن على تمرير التعيينات التي يريدها، بل إنّ بعض أعضائه لا يتوانى عن اتهام رئيس الحكومة بافتعال "معارك وهمية" على خط التعيينات، وصولاً إلى حدّ "الصدام" مع بعض المكوّنات الطائفيّة، كما حصل مثلاً حين أصرّ على تعيين مستشارته في محافظة ​بيروت​، علماً أنّ "التيار" يشعر أيضاً بـ "الضيق" لكون بعض الوزراء يحوّلون التشكيلات القضائية، التي يرى فيها "استهدافاً" واضحاً له، إلى مادّة تجاذب، بل ابتزاز واضح له.

وعلى خطى "التيار"، يبدو أنّ قوى أخرى وازنة في الحكومة غير راضية عن مسار الأمور، وهو ما يفسّره التلويح المتكرّر من بعض الأفرقاء بالانسحاب من الحكومة،كما فعل رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ سابقاً، وهو الذي لا تبدو علاقته مع دياب في أفضل أحوالها، وكما فعل ويفعل وربما سيفعل رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، ربطاً بخلافه المتفاقم مع "الوطني الحر"، وكما فعل أخيراً رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" ​طلال أرسلان​، من بوابة التعيينات الدرزيّة، واعتبارها "خطاً أحمر" في تكرارٍ لخطابٍ يقول دياب أصلاً إنّه جاء بهذه الحكومة لتنحيته جانباً.

أما القشة التي قصمت ظهر البعير، وفق تعبير البعض، فتبقى ببدء الحديث عن كيفية التعامل مع قانون "قيصر" الأميركي الذي يفرض عقوباتٍ قاسية على ​النظام السوري​ ومن يدعمه، وهو ما يبدو أنّه أزعج "​حزب الله​" والدائرين في فلكه، ما اضطر دياب إلى إصدار بيان "توضيحي" بعد التسريبات الصحافيّة حول الموضوع، نفى فيه "تبنّي" أي موقف من القانون المذكور. وإذا كان "حزب الله" غير راضٍ أساساً عن ربط الحكومة إصلاحاتها بالتفاوض مع صندوق النقد، الذي لم يكن أصلاً من مؤيّدي اللجوء إليه، فإنّ ملفّ العلاقة مع ​سوريا​ يشكّل "أولوية" بالنسبة له، وهو لا يحبّذ أن تتحوّل الحكومة التي يصرّ البعض على تسميتها بـ "حكومة حزب الله"، إلى "أداةٍ" تُستخدَم للمزيد من "تضييق الخناق" على سوريا.

لا بدائل...

إزاء ما سبق، ثمّة من يقول إنّ أمام رئيس الحكومة خياريْن لا ثالث لهما، فإما يستسلم لأمره الواقع، ويقبل "الخضوع" للأحزاب المكوّنة لحكومته، وبالتالي يبحث عن "إرضائها" قبل أيّ شيءٍ آخر، وإما "يقاوم" على طريقته، ولو أنّ "الثمن" الذي سيدفعه سيكون الانسحاب من الساحة، سواء بإرادته الذاتيّة، أو بإرادة من أتوا به.

لكن مثل هذه المقاربة تبدو فاقدة للكثير من الواقعيّة، فلا دياب في موقع من يمكن تصنيفه بـ "المتمرّد" على السلطة، بل إنّه متّهَمٌ بأنّه بات "جزءاً" منها يعمل بأدبيّاتها، ولا داعموه في المقابل، في وارد تحويله إلى "بطل قوميّ"، فيما البلاد على فوهة البركان، بعنوان الانهيار.

وبين هذا وذاك، يبدو الأكيد أنّ "الاستسلام" قد يكون خيار الجميع، لأنّ لا "بدائل" مُتاحة راهناً، وسط تزايد الدعوات إلى استعادة أمجاد "​الثورة​"، ولأنّ المطلوب من الجميع تعويض ما فات، بدل تضييع المزيد من الوقت بمهاتراتٍ يدرك أصحابها أنّها لن تنتهي...