إنطلاقاً من دعوة مجهولة المصدر إلى التظاهر يوم السبت المقبل، ظهر تباين واضح بين بعض القوى والمجموعات المشاركة في ​الحراك الشعبي​، الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، لا سيما مع بروز شعارات معادية لـ"​حزب الله​" ومطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559، ما دفع ببعض المجموعات إلى الدعوة إلى التظاهر يوم الجمعة، تحت العناوين الإقتصادية والإجتماعية التي رفعت منذ اليوم الأول، بعد تبني الأولى من قبل جهات سياسية.

من حيث المبدأ، هذا المشهد الذي يعيد إلى الأذهان مشهد الإنقسام السياسي التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، ولو بصورة مختلفة، ليس الأول من نوعه بالنسبة إلى الحراك الشعبي، وهو من المرشح أن يتكرر، طالما أن المجموعات المختلفة لم تتفق على برنامج موحد، يحدد الأولويات التي من المفترض أن تعمل على تحقيقها.

في هذا السياق، ترى مصادر معنية، عبر "النشرة"، أن هذا المشهد طبيعي، لا سيما أن الحراك الشعبي هو ابن ​المجتمع اللبناني​ الذي تتعدد فيه الأفكار والتوجهات، وبالتالي ليس هناك من إتفاق حول القضايا الأساسية، في حين أن الحراك هو في الأساس ولد على مبدأ عناوين إقتصادية وإجتماعية، وتشير إلى أن البداية في المشهد الحالي كانت من الدعوة المجهولة التي وجهت إلى التظاهر يوم السبت، والتي سارعت بعض الجهات السياسية إلى تبنيها، مثل "​حزب الكتائب​" و"​حزب سبعة​" والنائب ​شامل روكز​، بالإضافة إلى المجموعات التي تدور في فلك رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​.

وتلفت هذه المصادر إلى أنها جاءت تحت عنوان ​الإنتخابات النيابية​ المبكرة، الأمر الذي لا ترى أغلب المجموعات الفاعلة في الحراك أنه العنوان الأبرز في المرحلة الراهنة، نظراً إلى أن هذه الإنتخابات أقصى ما يمكن أن تقود إليه هو تبديل في موازين القوى بين أفرقاء السلطة، بينما المطلوب التغيير الذي يؤمن مصلحة المواطنين، من خلال حكومة إنقاذية ذات صلاحيات تشريعية، تضع برنامجاً لوقف الإنهيار أولاً وإقرار قانون إنتخابي عادل ثانياً، وتضيف: "هذا لا يعني أن ليس من حق أي جهة أن تدعو إلى التظاهر وفق العناوين التي تريدها، لكن ما يُطرح لا يصب في صالح المواطنين".

بالنسبة إلى موضوع سلاح "حزب الله"، تؤكد المصادر نفسها أن ليس هناك من مجموعة ظاهرة أو معروفة تطرح هذه المسألة، بدليل أن التحرك الذي دُعي إليه يوم السبت الماضي لم يستطع أن يجمع أكثر من 20 شخصاً، على عكس ما هو عليه بالنسبة إلى التحركات الأخرى، وتصف هذا الطرح بـ"الفخ السلطوي" في سياق الصراع التقليدي بين القوى السياسية، الذي من الممكن أن يربط بالتوجه إلى التفاوض مع ​صندوق النقد الدولي​ والضغوط الأميركية على "حزب الله"، وتضيف: "الأمر نفسه ينطبق على الدعوة إلى الإنتخابات النيابية المبكرة، التي قد تصبح مطلباً دولياً، على قاعدة أنها من الممكن أن تقود إلى قلب موازين القوى، مع العلم أنها لن تقدم أي نتائج بالنسبة إلى القوى "الثوريّة" الحقيقية".

وفي حين تشير المصادر المتابعة إلى أنها كانت تتمنى لو أن الجهات السياسية، التي تقف وراء الدعوة إلى التظاهر يوم السبت مستفيدة من دعم إعلامي كبير لها، دعت إلى هذا التحرك باسمها، أي من دون أن تعلن أنه يأتي تحت لواء الثورة أو الحراك، ترى أن المطلوب هو وضع برنامج تغييري حقيقي يعبر عن وجع المواطنين، خصوصاً مع إرتفاع نسب البطالة وتراجع القدرة الشرائية، في الأشهر الماضية، بالإضافة إلى التحديات الأخرى التي تمس كل مواطن.

بالنسبة إلى الدعوات إلى التظاهر يوم الجمعة، توضح هذه المصادر أن الجهات التي تقف خلفها هي المجموعات التي كانت تتحرك في الشارع طوال الفترة الماضية، وسعت إلى القيام بالعديد من الخطوات رغم حالة التعبئة العامة التي تشهدها البلاد، وتلفت إلى أن الدعوة إلى التحرك في صيدا من ​التنظيم الشعبي الناصري​، كانت هي الأساس، على قاعدة رفض تحديد موعد يمكن أن يتم إستغلاله، وتشير إلى أن مسار الأحداث في الأيام المقبلة سيكون مفصلياً، في ظل الشحن السياسي الذي تعبر عنه مواقع التواصل الإجتماعي.

في المحصلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأن لا حل لمثل هذه التباينات إلا بالبرنامج الموحد أو القادر على جمع أكبر عدد ممكن من المجموعات، وترى أن المعارضة غير الطائفية مقصرة في هذا المجال، مع قناعتها بأن الأمر لا يزال يتطلب المزيد من الوقت كي ينضج.