قبل البدء بتفسير عنوان هذا المقال، لا بد من الاشارة الى ان عهد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ لم يكن على قدر التوقعات التي ارادها العديد من ال​لبنان​يين من مؤيدين ومعارضين له، ولو ان الامر لا ينحصر بأخطاء او قرارات لم تنفّذ كان اتخذها رئيس الجمهورية في اكثر من مناسبة، ولو انه واجه -ولا يزال- جبهة معارضة واسعة وظروف اقتصاديّة وماليّة وسياسيّة غير مسبوقة بتاريخ لبنان. اما وقد اوضحنا هذه النقطة، فلا بد من توضيح المقصود من العنوان وشرحه. منذ ان اختار رئيس الحكومة السابق النائب ​سعد الحريري​ مغادرة قطار الحكومة والعهد، بدأت حملة ممنهجة على رئيس الحكومة الحالي ​حسان دياب​، من باب انه تابع لـ"​حزب الله​" وينفذ تعليماته ويهدّد مصير لبنان امام الغرب والعالم اجمع. وبعد فترة، انتقلت المسألة الى موقع آخر وهي محاربة عون من منطلق طائفي بغطاء دستوري، والقول بأن عون بات هو رئيس الحكومة الفعلي وليس دياب. هكذا، وبغفلة من التاريخ، قرّر مطلقو هذه الاخبار اضفاء صلاحيات خارقة لرئيس الجمهورية، بدل تلبية مطالب الرؤساء السابقين والرئيس الحالي بتعزيز الصلاحيّات بعض الشيء وليس "السيطرة على الدولة" كما يوحي مطلقو هذه الشائعات.

نسي هؤلاء، او تناسوا، أن هذا الاتهام تم توجيهه للرئيسين السابقين ​اميل لحود​ و​ميشال سليمان​ إبّان فترة حكمهما، وتم توجيهه ايضاً الى عون ابّان تولي الحريري نفسه ​رئاسة الحكومة​، وهو اتهام يطفو كلما كان هناك نوع من "التناغم" او "التوافق" بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وبما ان صلاحيات رئيس الجمهورية ضعيفة، يتجه الاتهام دائماً الى السيطرة على موقع رئاسة الحكومة لانّه وفق الدستور يمتلك صلاحيات اوسع واشمل. يأخذ الكثيرون على عون ان النقطة الاساس لابراز "سيطرته" على الحكومة هي اصراره على معمل ​سلعاتا​ في خطّة ​الكهرباء​. قد يكون هذا المأخذ صحيحاً، ولكن ما الخرق الذي قام به الرئيس دستورياً اذا كان معارضاً لمشروع ما او قرار ما اتخذه المجلس؟ واذا رغب البعض في تعداد القرارات العديدة التي اتخذتها الحكومات السابقة والحالية والتي واجهت اعتراضات من قبل العديد من القوى السياسية والتيارات الحزبية، ما ادى الى عدم تنفيذها، لكنا امام عدد من رؤساء الحكومات لا يعدّ ولا يحصى. وبغضّ النظر عن صحّة او عدم صحة الاصرار على معمل سلعاتا، اليس هناك من قدرة لرئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​ تعطيل عمل الحكومة إذا اراد، وهو الامر الذي هدّد به قبله رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس تيار المردة "​سليمان فرنجية​"، وهدّد به سابقاً حزب "القوات اللبنانية" و"حزب الله" وغيرهم؟ أليس هذا الامر سيطرة على الدستور؟ وهل يُحترم الدستور عند الحديث عن تنحية رئيس الجمهورية او الانقلاب عليه؟.

ليس في الامر اي انتقاص لصلاحيات رئيس الحكومة، كل المسألة تتمحور حول اهداف سياسية وغايات محليّة و"صراع من اجل البقاء"، ولكنها امور لا تقدّم ولا تؤخّر، خصوصاً في ظلّ المفاوضات القائمة مع ​صندوق النقد الدولي​، الذي راهن كثيرون على انّها لن تحصل ثم راهنوا على فشلها، لا بل عملوا في السرّ والخفاء على ضمان عدم نجاحها، الا ان محاولاتهم لم يكتب لها النجاح.

والمضحك انّ هؤلاء انفسهم يأخذون على عون ضعفه وعدم قدرته على اتّخاذ القرارات الحاسمة، فيما يروّجون انّه المسيطر على الدولة ومقدّراتها ومؤسّساتها الدستوريّة، فأيّ كلام منهم يجب ان نصدق؟ ان استلحاق ركوب موجة ​الحراك الشعبي​ أمر مبرّر بالنسبة الى من فاتهم قطار الحكم، ولكن من الافضل اعطاء مبررات وذرائع اكثر اقناعاً واقرب الى الواقع، لانّ الناس سئمت عزفهم على الوتر نفسه، وانشادهم الاغنية نفسها التي اثبتت فشلها مرة تلو الاخرى.