لم تكن ​أميركا​ تتصور ان حربها العدوانية الكونية التي شنتها على سورية من اجل اقتلاع القلعة الوسطى لمحور ​المقاومة​ وتاليا تفكيك المحور وتمرير مشاريعها التصفووية ل​فلسطين​، لم تكن أميركا تتصور فشلها وأخفافها كما لم تكن تتخيل ان تستطيع سورية أولا ثم سورية ومحور المقاومة معها ثانيا وأخير انضمام ​روسيا​ إلى معسكر المقاومة، ان يستطيع هذا المعسكر الدفاعي ان يفشلها ويفرض عليها واقعا لم تكن تتوقعه او تتخلليه.

ولأنها أخفقت في عدوانها ​الإرهاب​ي وانتصرت سورية وحلفاؤها إلى حد أنها باتت على أعتاب المرحلة النهائية للحرب، فقد اعتمدت أميركا سياسية مركبة من استراتيجيتين لمنع سورية من استثمار انتصارها أولا ولمنع تشكل بيئة في المنطقة تجهض خططها العدوانية ضد فلسطين وأهلها وهي الخطط التي اختصرت بما اسمي "​صفقة القرن​ " او رؤية ​ترامب​ للسلام الذي هو استسلام كلي للمشروع الصهيوساكسوني. ولهذا اعتمدت أميركا استراتيجية "إطالة أمد الصراع " في سورية عسكريا، واستراتيجية "خنق سورية وتجويع شعبها لتركيعها" اقتصاديا، على قاعدة "من يتحكم بلقمة عيشك يخضعك بسهولة".

انهما استراتيجيتين متكاملتان عسكرية ميدانية، واقتصادية معيشية، اعتمدتهما أميركا ضد سورية انتقاما لهزيمتها في مواجهتها، ومنعا لها ولحلفائها من استثمار الانتصار والانصراف إلى تنظيم وتنفيذ متطلبات مرحلة ما بعد الحرب والتي تستوجب مراجعة الوضع السياسي والعسكري الذاتي والتحالفي، والانطلاق إلى إعادة بناء سورية او ما يصطلح على تسميته اليوم "إعادة الأعمار"، أعمار ما دمرته الحرب العدوانية التي قادتها بشكل خاص كل من أميركا ومعها دول أوربية و​تركيا​ ومعها مع دول عربية او ​السعودية​ ومعها اتباع مرتزقة.

و اذا كانت ​سياسة​ الحصار الاقتصادي الذي تمارسه أميركا بحق سورية ليست بجديدة ، وهي كما يعرف الجميع معتمدة أميركيا ضد سورية منذ وائل السبعينات خاصة بعد حرب تشرين التحريرية ، و اذا كان التشدد التصاعدي في هذه ​السياسة​ مستمر منذ عقود خمسة ، فان الحرب الاقتصادية الأميركية على سورية تبلغ ذروتها اليوم بما يسمى "قانون قيصر" الذي سيعمل به اعتبارا من 17 حزيران يونيو 2020 الحالي و الذي يعتبر الرد الأميركي المباشر على الصلابة و التماسك و القوة السورية التي أفشلت العدوان عليها .وهو تدبير اقتصادي يرفد الاحتلال الأميركي الميداني لشمال شرقي سورية المصحوب مع سرقة النفط و حرق المزروعات و محاولة أقامة الكيان الانفصالي الكردي هناك .

ف"قانون قيصر" الإرهابي يمكن ان يعتبر الحلقة الأقسى و الأبشع للحرب الاقتصادية التي تمارسها أميركا على دولة او شعب في كل المعمورة ، فهو بالنسبة لسورية و من غير الدخول في ​تفاصيل​ محتويات صفحاته ال 11 (وضع القانون في 11 صفحة فولسكاب من اجل ان يغرق في التفاصيل و تفاصيل التفاصيل ليطمئن واضعوه بانه أدى المطلوب أميركيا في خنق اقتصادي كلي لسورية و دولة و شعبا ) فقانون قيصر هو باختصار مجموعة من التدابير الكيدية يتوخى منها ان تعزل سورية عن ​العالم​ الخارجي اقتصاديا و من كل الوجوه ، و تحول دون اطلاق عملية إعادة ​البناء​ بيدها او بيد حلفائها ، و ان تجوع شعبها حتى الموت جوعا او الاستسلام ، و فضلا عن ذلك فانه يصيب بأثاره البشعة دول الجوار السوري و في طليعتهم ​لبنان​ الذي سيجد نفسه اذا طبق القانون معزولا عن البر كليا ما يزيد من أزماته الاقتصادية و المعيشية و المالية وقد بات على حافة الانهيار الشامل .

ان قانون الإرهاب الاقتصادي القيصري الأميركي اعد ظاهرا ليكون ضد سورية انتقاما من انتصارها على العدوان الكوني عليها، أما في العمق والحقيقة فان هذا العدوان الاقتصادي الذي جاء متعارضا كليا مع قواعد القانون الدولي العام وشكل تصرفا كيديا أميركيا غير مشروع ضد دولة او دول مستقلة ذات سيادة، انه في العمق ضد محور المقاومة بكل مكوناته وضد دول الجوار السوري جميعا خاصة لبنان وضد روسيا و​الصين​ وحلفاء اخرين يحافظون على علاقة مميزة مع سورية.

ف "قانون قيصر" الأميركي سلاح عدوان اقتصادي تشهره أميركا بوجه كل من ساهم في انتصار سورية ومتحضر للمشاركة في أعاد أعمارها، ما يفرض على الجميع التعاون والتكامل والتنسيق لخوض معركة دفاع اقتصادي عن الذات وعن سورية. فمحور المقاومة معني مباشر بالمحافظة على انتصاره في سورية ولذلك هو معني بالمواجهة، والصين وروسيا اللتان تتحضران للدخول في عملية إعادة أعمار سورية، معنيتان بالمواجهة ورفض التقيد باي بند من بنود قانون قيصر الكيدية العدوانية، وعليهم ان يتذكروا ان أميركا لجات إلى هذا القانون لتمنع إعادة الأعمار بيد روسية وصينية تستبعد اليد الأميركية والأوروبية خاصة وان الرئيس الأسد كان واضحا في حديثه هنا عندما قال ان اليد التي دمرت لن يكون لها فرصة في سورية لتشارك في إعادة البناء.

إذا مواجهة أميركا وقانون قيصرها لا يمكن ان تقتصر على سورية، فسورية ليست وحدها المستهدفة وان كانت التسمية والتفسير الظاهر للتدبير انه وجه من وجوه الحرب الاقتصادية ضد سورية، فالمواجهة الناجعة المطلوبة هي المواجهة التي يشارك فيها كل مستهدف بالقانون مباشرة او غير مباشرة، وهنا يكون التحدي الذي لا بد منه لكسر القرار الأميركي بالحصار المتعدد الضحايا.

ان انتصار معسكر المتضررين من قانون قيصر هو انتصار للعالم برمته كما كان انتصار معسكر الدفاع عن سورية الميداني الحربي ضد الإرهاب هو انتصار لكل العالم وأحراره، ومن جميل الصدف ان يكون موعد تطبيق قانون قيصر مسبوقا بعملية الناقلات ال​إيران​ية الخمس التي بها تحدت إيران الحصار و​العقوبات الأميركية​ عليها وعلى ​فنزويلا​، فكسرت حصارا مزدوجا وخصصت لكل إصبع في يد العدوان الأميركي ناقلة تلويه وتمنع اليد الأميركية الملتوية الأصابع من ان تتحرك.

فمواجهة قانون قيصر الإرهابي ينبغي ان تكون مواجهة فاعلة تقوم على رفض الانصياع له لأفهام أميركا ان قراراتها ليست قدرا وان قرارها يسري على مواطنيها ولا يسري خارج حدودها وان هيئاتها التشريعية تشرع لها ولا تشرع للعالم. رفض يواكب التحضير لأي تدبير يمكن ان تتخذه أميركا التي تتأكل هيبتها في الخارج وتنهشها الفوضى والاضطراب في الداخل. فأميركا بعد سقوط الأقنعة عن وجهها البشع المشبع بالكراهية والحقد و​العنصرية​ والمثقل اليوم بالفشل الإخفاق والهزائم ليست القوة التي ترعب وتخيف، فهيبتها التي بها هيمنت على العالم قيد التآكل وهي في اقل من 5 أشهر تلقت صفعة ​عين الأسد​ وركلة الناقلات الخمس ولم تجرؤ على الرد.

ان إفشال الحرب الاقتصادية على سورية وحلفائها في جولتها الأخيرة هي مهمة جماعية، فاذا تحقق هذا الفشل فأننا نتوقع ان يكون "قانون قيصر " هو الحلقة الأخيرة من سلسة الإرهاب الاقتصادي الأميركي ضد العالم ... والنتائج المأمولة تستحق التحدي والمجازفة والعالم يتطلع بشكل خاص إلى مواقف الصين وروسيا وإيران و​العراق​ ولبنان وينتظر بشكل عام صرخة الأحرار جميعا "لا لتجويع سورية وخنقها اقتصاديا " ومن جهتنا نحن فأننا واثقون من الانتصار خاصة وان زماننا اليوم هو زمن الانتصارات بعد ان ولى زمن الهزائم إلى غير رجعة طالما هناك إرادة مواجهة و سلاح مقاوم .