أسف الخبير الإقتصادي ​وليد أبو سليمان​ لأن "​الحكومة اللبنانية​ مُنحت الوقت الكافي لتقوم بالاصلاحات المبدئيّة الاقتصاديّة والماليّة، ومع أنها وضعت خطة شخصت فيها المرض، ولكنها في المقابل لم تُنجز شيئًا فيما يخص مسألة التوظيف وإعادة هيكلة ​القطاع العام​، ومشروع الكابيتال كونترول الذي ضاع بين الحكومة و​مجلس النواب​، والتجاذبات التي تعترض ​التعيينات​ والاموال التي هربت والتخبّط في ما يخص الصيارفة، وكلها تزيد من فجوة الثقة بين الحكومة والناس وتبعث بإشارات سلبية حول جدية عمل الحكومة".

وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح أبو سليمان أنه "بات جليًا أن دعم المواد الغذائية يحصل من خلال التحويلات الالكترونية وبالتالي المشكلة ستقع مع انخفاضها كما يحصل راهنا، بعدما أصبحت دون التوقعات، حيث كانت في السنوات السابقة حوالي مليار دولار فيما انخفضت بنسبة 40 الى 50 بالمئة، وبالتالي الدعم سيكون محدودا ولفترة محددة قد لا تتعدى الخمسة اشهر، كما ان ​مصرف لبنان​ اكد انه لن يدعم المواد الغذائيّة والمواد الاولية للصناعة الا من خلال هذه التحاويل"، مشيرا إلى أنه "بالنسبة للفيول والادوية والقمح فهو قادر على دعمها لحوالي سنة ونصف السنة من الاحتياطي المتبقي".

وحول السعي لخفض سعر صرف الدولار، بيّن أبو سليمان أن "المنصّة الإلكترونية المزمع إطلاقها هي فقط لضبط التداول، وكل ما تحاول الحكومة القيام به هو لجم الطلب على الدولار بالقوة، لكن الطلب بمثابة نهر جارف تحاول التخفيف منه، ولكن لا يمكن السير بعكس الطبيعة والمنطق الذي يقول انه كلما زاد الطلب كلما حصل ضغط اكثر على الدولار"، مشدّدا على أن "الطريقة الوحيدة لتخفيض الدولار هي من خلال ضخّ سيولة".

أما فيما يتعلق بالتأخير في اجراء عملية التدقيق على حسابات مصرف لبنان، رأى أبو سليمان أنه "لا اعتقد أن هناك خلفيات سياسية، وقد تكون تقنية ويفترض أن تقوم به الشركات الدولية التي تمت الاستعانة بها".

وعن المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، لفت أبو سليمان إلى أنّه "لا يزال يتلقى المعلومات من الدولة اللبنانية، وهو اليوم بمثابة الطرف المستمع ولم يبدأ بمرحلة التوجه بالأسئلة الجديّة أو فرض برنامجه من الشروط والقواعد، ولا اعتقد سواء أدّت هذه المفاوضات الى نتائج ايجابيّة ام لا، فهي تحتاج اقله الى خمسة أشهر لتظهر نتائجها، وعامل الوقت ليس لمصلحتنا ويكلفنا الكثير بسبب الضغط المالي والنقدي الحاصل وارتفاع نسبة البطالة"، معتبرًا أنه "من المؤسف ان لبنان هو الدولة الوحيدة التي توجهت الى صندوق النقد بأرقام متباينة غير موحّدة فيما الوفد الرسمي كان مؤلفاً من أكثر من وفد ويحمل أكثر من اجندة".

وتابع أبو سليمان: "بات واضحا أن مصرف لبنان لا يريد تحمّل تهمة الخسائر، فيما الحكومة ترفض تحمل كل الاعباء، والتشخيص من الجانبين ليس دقيقا، فالخسائر الكبيرة يتكبدها المودع اللبناني والمغترب، والودائع المقوّمة بالعملة الأجنبية التي تبخرت والتي تشكل المأزق الكبير، فالدولة انفقت ومصرف لبنان أقرض الدولة على حساب ودائع الناس، فالخسائر المقدرة بحوالي 80 مليار دولار هي خسائر المودعين، ولذا عليهم توحيد الارقام".

وعن تداعيات قانون قيصر على ​الاقتصاد اللبناني​، لفت أبو سليمان إلى أن "العلاقات التجارية مع ​سوريا​ تشكل مسألة مهمة بالنسبة للبنان، حيث تشير الأرقام إلى أنّه بين العامين 2013 و2018 كان فائض التبادل لمصلحة لبنان بنسبة 700 مليون دولار، ما يعني أن لبنان سيتضرر نتيجة وقف هذا التبادل في المواد الزراعية والصناعية، كما أن البلد يراهن على اعتماد ميناء طرابلس منصة لاعادة اعمار سوريا، الأمر الذي سيصبح مستحيلاً بفعل قانون قيصر"، مشيرا إلى أن "كل الاستثمارات المستقبلية من الشركات اللبنانية والأفراد في سوريا قد تضطر لاعادة النظر فيها لأنها قد تتعرض للعقوبات".

وركّز أبو سليمان على أن "​المصارف اللبنانية​ العاملة في سوريا والبالغة أكثر من سبعة مصارف قد تتعرض للضغوط بسبب العقوبات على ​المصرف المركزي​ السوري، وبالتالي إن التعامل معه

لاقراض الشركات العاملة في سوريا عبر المصارف اللبنانية الموجودة، سيتقلّص، فضلاً عن الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية لمودعين سوريين لهم علاقة ب​النظام السوري​، فقد يشكل وجودها خطرا على المصارف اللبنانية"، مشدّدًا على أن "سوريا هي الرئة الاقتصادية للبنان في ما خص الترانزيت والحركة السياحية ولو أنه قد لا يتأثر بقانون قيصر".

وفي الختام، علق أبو سليمان على طرح التوجه شرقًا، مؤكدًا أنّه "خيار صعب جدا وغير واقعي، كون اقتصادنا مدولر وودائعنا بنسبة 75% بالدولار، وبالتالي هذا الامر قد يكون خطوة استفزازيّة وثمة صعوبة في تحويل هذه الدولارات الى العملة ​الصين​يّة، كما اننا نفاوض صندوق النقد الذي تملك فيه ​أميركا​ حق الفيتو، وبالتالي اذا ارتأينا هذا الخيار لربط عملتنا باليوان لنسدد ديوننا الخارجية والاتفاقات الثنائية التي تتخطى الملياري دولار، فعلينا تأمين هذه المبالغ"، متسائلا: "هل الصين مستعدة لتأمينها وسدّ الفجوة بالمواد الاستهلاكيّة التي نستوردها من ​اوروبا​ والولايات المتحدة"؟!.