من دون سابق إنذار، حضرت الفتنة المذهبية إلى مختلف الشوارع يوم السبت الأسود، بالتزامن مع الدعوات الخلافيّة إلى التظاهرة في ​وسط بيروت​، بعد أن حضر سلاح "​حزب الله​" مادة خلافية على وقع الإنقسام بين مجموعات ​الحراك الشعبي​ حول عناوين التحرك في الشارع، الرفض القسم الكبير أن تكون ​الإنتخابات النيابية​ المبكرة هي الشعار الأساسي، بعد أن رفع من قبل القوى والشخصيات التي تبنّت الدعوة رسمياً.

طوال الاسبوع الماضي، سعت مختلف الجهّات الداعية إلى تظاهرة السبت إلى نفي رفعها شعار السلاح غير الشرعي، مقابل الإصرار من قبل جّهات عدّة على أنّ هذه الدعوة حاضرة، الأمر الذي ساهم في إستفزاز الشارع المؤيّد لـ"حزب الله"، وما كانت تحتاج الفتنة لتطلّ برأسها إلا لفيديو واحد ينتشر على مواقع التواصل الإجتماعي يحمل عبارات مسيئة لمقامات دينيّة، بغض النظر عن الجدل القائم حول صحته من عدمها.

بعد ساعات، أطلّت مختلف القوى السّياسية والدينيّة لتحذّر من الفتنة "النائمة"، ولتدعو إلى التهدئة وأخذ كل الإجراءات التي تحول دون تدهور الأوضاع الأمنيّة، لكن أحداً لم يخبر المواطنين عن الجهة التي أيقظتها، في حال كانت "نائمة" أصلاً، بعد أن عمدت القوى نفسها على إبقائها حاضرة للإستثمار فيها متى دعت الحاجة إلى ذلك، وهو ما تكرّر على مدى السنوات الماضية في كل مرّة شعرت فيها القوى نفسها بأنها ستفقد السيطرة على اللعبة.

في هذا الإطار، كان الجميع يتوقع تحرّك الشارع في أيّ وقت، بعد تراجع حالة الإغلاق التي فرضتها جائحة ​فيروس كورونا​ المستجد، لا سيما أن ​الحكومة​ الحالية فشلت في معالجة الحد الأدنى من تداعيات الأزمة الماليّة والإقتصاديّة القائمة، والتي من المتوقّع أن تتفاقم، في المرحلة المقبلة، في ظلّ التوجه إلى ​صندوق النقد الدولي​، الذي سيفرض شروطاً قاسية قد يكون من المستحيل أن ينجح لبنان في تحمّل نتائجها، والدعوات إلى التحرّك من قبل المجموعات التي كانت ناشطة في 17 تشرين الأول الماضي كانت قد بدأت، قبل أن تطل الدعوة إلى تظاهرة السبت الأسود.

الجهّات التي تقف وراء التظاهرة الأخيرة كانت معلنة وواضحة، لكنها سارعت إلى الإختفاء عن المشهد العام بعدما حصل الصدام في الشارع، وكأنها لم تكن معنيّة بحماية المواطنين الذين دعتهم إلى التحرك من أجل عناوين كانت قد طرحتها بنفسها، رافضة أيّ نقاش حول جدواها في الوقت الراهن، خصوصاً أنّ هموم اللبنانيين باتت في مكان آخر مختلف، فلا الإنتخابات النيابية المبكرة، ولا شعارات السلاح غير الشرعي أو القرارات الدولية ستكون قادرة على تأمين فرص عمل لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل، أو سدّ جوع أعداد الذين باتوا تحت خط الفقر.

الحصيلة الأوليّة لتظاهرة السبت الأسود، كانت إرتفاع مستوى التوتر الطائفي والمذهبي على خطوط التماس التقليديّة، بالإضافة إلى زيادة أعداد الذين قطعوا الأمل في الإصلاح أو البقاء في لبنان، وبالتالي خلق جدار فاصل بين حقوق المواطنين والشارع، نظراً إلى أنّ الكثيرين سيكونون متردّدين في المشاركة بأيّ تحرّك شعبي مهما كان عنوانه، في حين سيتباهى أصحاب نظرية أن ​محاربة الفساد​ تقود إلى الحرب الأهلية أكثر بنظريتهم، التي يعتبرون أنها أثبتت نجاحها الباهر.

في المحصّلة، بعد أيّام لن يعرف أحد حقيقة ما حصل، خلال ساعات التوتر المذهبي والطائفي، لا كيف بدأت ولا من حرّض أو دعم، فالفتنة "النائمة" حقّقت الهدف المطلوب منها، وربما تقود إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل السابع عشر من تشرين الأول الماضي حكومياً، فنظرية أن الجوع يبقى أهون من الحرب الأهلية ستكون هي الطاغية في الأيام المقبلة، إلا إذا حصلت مفاجأة غير متوقعة.