لا تزال تداعيات تظاهرة السبت الماضي، وما رافقها من أحداث، هي الشغل الشاغل لجميع ال​لبنان​يين، نظراً إلى أن بعض المئات من المواطنين كادوا أن يجروا البلاد إلى مربع الحرب الأهليّة، بسبب فتنة مذهبية أو طائفية من الممكن أن تشتعل بأي لحظة، الأمر الذي من المفترض أن يدفع بالمنظّمين أو الداعين لها إلى إعادة النظر في طروحاتهم.

مظاهرة 6/6، أثبتت بما لا يقبل الشك أن اللبنانيين لم يتجاوزا خلافاتهم على الملفات السياسية الأساسية، لا سيما مسألة سلاح "​حزب الله​"، بينما التظاهرات السابقة كانت قد أظهرت القدرة على تجاوز تلك الملفات، نظراً إلى أنها حملت المطالب الإقتصادية والإجتماعية التي يجمع عليها كل المواطنين، ولذلك شكلت عامل ضغط على مختلف القوى السياسية، وكانت سبباً في تبنيها نهجاً مختلفاً على الأقل على المستوى الحكومي، حيث دفعت بعض الأفرقاء إلى الخروج من الحكومة، وأجبرت آخرين على الذهاب إلى إختيار شخصيات غير إستفزازية لتمثيلهم على طاولة مجلس الوزراء.

في هذا الإطار، كان من الواضح أن غالبية اللبنانيين ليست في وارد التجاوب مع العناوين الخلافية، بدليل تراجع أعداد المتظاهرين بعد رفع الدعوات إلى التظاهر ضد سلاح "حزب الله" وتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرارين 1701 و1559، وهو ما ترجم بتراجع أعداد المتظاهرين عن تلك التي كانت حاضرة في جميع التحركات السابقة، نظراً إلى أن مثل هذه العناوين لا تساهم في تأمين فرص عمل ولا تدعم الإقتصاد الوطني ولا تمنع تزايد أعداد المهددين بالنزول إلى ما تحت خط الفقر.

كل مجموعة من الداعين لهذه التظاهرة كان لها أهدافها الخاصة، لكن الأكيد، بحسب ما تبين من مواقف غالبية المجموعات الفاعلة في ​الحراك الشعبي​، أنها لا تمت بصلة إلى أهداف الإنتفاضة أو الثورة الحقيقية، بل هي ترتبط بالضغوط الدولية التي تريد الإستثمار في أوجاع المواطنين لتحقيق أهداف سياسية محددة، كانت تلمح لها منذ البداية، كتوصيف ​وزير الخارجية​ الأميركية ​مايك بومبيو​، طوال الفترة الماضية، بأن اللبنانيين ينتفضون ضد "حزب الله" وإيران، في حين يعلم الجميع أن المحرك الأساسي لها هو تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، لكن الأهم اليوم هو البحث عن النتائج التي حققتها هذه التظاهرة.

من حيث المبدأ، هي كانت الضربة الأقوى التي تعرضت لها الإنتفاضة الشعبية، نظراً إلى أن تداعياتها ستنعكس على أي تحرك مستقبلي، لناحية إرتفاع أعداد الخائفين أو القلقين من أي إنحراف أهدافها أو تحولها إلى صراع مذهبي دموي في الشارع، وبالتالي قد تؤدي إلى تراجع أعداد المشاركين في أي تظاهرة مهما كانت العناوين، وقد تكون هي الخدمة الأبرز التي قدمت إلى طبقة سياسية يشكوا الجميع من فسادها وتجاوزاتها، لا بل هي سمحت لها بإعادة تقديم نفسها بوصفها الحريصة على السلم الأهلي والإستقرار الأمني، الذي ستفضله غالبية المواطنين على تحقيق أي مكسب آخر، حتى ولو كانت المعاناة تكبر يوماً بعد آخر.

بالتزامن، كانت هذه التظاهرة جولة خاسرة لكل العناوين التي طُرحت خلالها، لا سيما ​الإنتخابات النيابية​ المبكرة وسحب سلاح "حزب الله"، نظراً إلى الفشل في حشد عدد ضخم يضاهي الذين كان ينزل إلى الساحات والشوارع، وبالتالي لا يمكن أن تكون قد حققت أيًّا من أهدافها، بل على العكس، أكدت بما لا يقبل الشك بأن اللبنانيين يعون لما يُحاك من قبل بعض الجهات، بالرغم من الضغط الإعلامي الكبير الذي رافق الدعوات إلى التظاهرة.

في المحصلة، من يسعى إلى أن يقود التغيير أو يريد الدخول إلى الحياة السياسية، عليه أن يدرك، قبل غيره، ما هي الخطوط الحمراء أو الألغام التي يجب أن يسعى إلى تجاوزها، لا سيما إذا كان مقيماً مع عائلته خارج لبنان، وكيف يجمع اللبنانيين حول العناوين التي تمسهم جميعاً، لا أن يرفع تلك التي تقودهم إلى الفتنة أو الحرب الأهلية، لأنه بهذه الحالة يسيء إلى مطالبهم المعيشية المحقة ويتسبب في ضياعها.