تفاجأَ اللُّبنانيُّون مُنذ أيَّامٍ بـ"قطع" خُطوطهم الهاتفيَّة العاديَّة، ووضعها خارج الخدمة، بسبب التَّأَخُّر في دفع الفاتورة الهاتفيَّة المُتوجِّبة عليهم لمصلحة "أُوجيرو". ولكون هذه الخُطوة الإِداريَّة أَتت في "زمن كورونا الرَّديء"، فيما كانت تُطبَّق عمليًّا، وفي شكلٍ مُحقٍّ قبل فتك الجائحة بالكُرة الأَرضيَّة بأَسرها... كما وأَوجبت هذه الخُطوة الفُجائيَّة، ضرورة رفع كتاب تظلُّمٍ، لأَكثر من سببٍ. ففي العادة كانت خُطوط المُمتنِعين عن الدَّفع تُوضع خارج الخدمة، وعندها يتوجَّب عليهم تسديد 6000 ليرة لبنانيَّة بدل "إِعادة وصل الخطِّ"، مع دفع الفاتورتين المُستحقَّتين عن الشَّهرين السَّابقَين لتاريخ "القطع". ولم يكن الأَمر ليستأْهل الاعتراض، لأَنَّ "صاحب الحقِّ سُلطان"... وأَمَّا في "عصر كورونا" فقد فات إِدارة "أُوجيرو"، وتاليًا مَن أَملى عليها اتِّخاذ هذا القرار المُستغرب، أَنَّ الوقت غير مُناسبٍ للاقتصاص من النَّاس، على غفلةٍ من الزَّمن، ومِن دون توجيه إِنذارٍ عبر أَكثر من وسيلةٍ إِعلاميَّةٍ، مع تحديد فترةٍ زمنيَّةٍ لتسديد المُستحقَّات... والأَنكى مِن كُلِّ ذلك، أَنَّ صُندوق الدَّفع في "أُوجيرو" لا يفتتح أَبوابه إِلاَّ خلال يومَين اثنين في الأُسبوع فقط، إِمعانًا في إِذلال أَكبر عددٍ مِن المُواطنين في طوابير الانتظار، في زمن التَّباعُد الاجتماعيِّ المُفترَض!.

الخطأُ الإِداريُّ الأَوَّل، يكمن في أَنَّ صُندوق دفع الفواتير في "أُوجيرو" قد أُقفل في وجه المُتوجِّهين لدفع الفواتير بسبب تفشِّي "​فيروس كورونا​" وحال "التَّعبئَة العامَّة المفروضة حُكوميًّا -وعن وجه حقّ– لكنَّه عاد إِلى العمل بمُعدَّل يومَين اثنَين أُسبوعيًّا فقط، ومِن دُون إِعلام النَّاس بذلك. وإِذا كان الإِعلان عن موعد وقف العمل في الصُّندوق هو بمثابة لُزوم ما لا يلزم في زمن "التَّعبئَة العامَّة"، غير أَنَّ إِعادة العمل، وبدوامٍ جُزئيٍّ، توجِب إِعلام المُواطنين بهذا القرار، أَقلَّه مِن باب إِظهار احترام المُشتركين في الخدمة الهاتفيَّة وإثباتًا لذلك. ولقد كان في الإِمكان مثلاً إِعداد إِعلانٍ يصدُر في أَكثر من وسيلةٍ إِعلاميَّةٍ...

الخطأُ الإِداريُّ الثَّاني، وهو بمثابة خطيئةٍ، يكمُن في عدم الأَخذ في الاعتبار، قبل قطع الخُطوط عن النَّاس، أَنَّ في بيوتنا مُسنِّين وأَشخاصًا مِن ذوي المرض المُزمن الممنوع عليهم الخروج أَو الولوج إِلى أَيِّ مكانٍ... وعليهم فقط التزام الحجر المنزليِّ إِلى أَنْ "يفرجها الله"... فماذا لو اضطُرَّ أَحدنا إِلى أَنْ يتَّصل بـ"الصَّليب الأَحمر" بعد عارضٍ صحّي مُفاجئٍ، فوجد أَنَّ "الخطَّ" خارج الخدمة؟.

والخطأُ الثَّالث في تحديد يومي الاثنين والأربعاء المُخصَّصين لسير الآليَّات الحاملة لوحاتٍ بأَرقامٍ مُفردةٍ، فماذا عمَّن تنتهي لوحة سيَّارته بالرَّقم المزدوج؟. "الإِبداع الإِداريُّ" في "أُوجيرو" يقول إنَّ عليه في هذه الحال أَنْ يُضيف إِلى عُقوبته في "أَحكام أُوجيرو العُرفيَّة"، تكلفة سيَّارة الأجرة، أَو أَنْ يُسدِّد المُتوجِّب عليه –وهنا الظُّلم بالسَّويَّة– بواسطة شركةٍ خاصَّةٍ بنقل الأَموال وتسديد الفواتير، وتضاف إِلى قاتورتَيه في هذه الحال: 6000 بدل وصل الخطِّ + عُمولة دفع الفاتورة أَو تعرفة النَّقل... أَو أَنْ يختار الإِذلال في "طقَّة الشَّمس" من خلال انتظار دوره في الطَّابور الطَّويل لدفع الفاتورة...

هل مِن الصّدفة أَنْ يبدأَ الحراك الشَّعبيُّ في 17 تشرين الأَوَّل 2019، على خلفيَّة "فاتورة الواتسأب" غير القانونيَّة، وأَنْ يُستكمل الخطأُ بإِجراءٍ إِداريٍّ مشوبٍ بأَلف سُؤَالٍ كبيرٍ... في شأْن "أُوجيرو"؟ وفي الحالتين مصدر التَّظلُّم هو شركة الاتِّصالات؟ وهل تكون "أُوجيرو" على قائمة ما يريد الشَّعب إِسقاطه قريبًا؟ وبالتَّالي هل ستُدوِّي صرخة "الشَّعب يريد إِسقاط أُوجيرو"؟ ليس ما نقوله تحريضًا، بل هو نبض ريشة صحافيٍّ قام بواجبه أَمام صندوقٍ لدفع الفواتير، حضر إِليه المُواطن ليُسدِّد المُتوجِّب عليه فيتعافى خطُّه الهاتفيّ، ولم يحضر المُوظَّف ليُحصِّل حقوق خزينة الدَّولة!.