منذ ما قبل التوتر المذهبي والطائفي في الشارع، الذي برز في نهاية الاسبوع الماضي، عاد الحديث عن التعديل والتغيير الحكومي، على قاعدة أن الحكومة الحالية فقدت مقومات بقائها، نظراً إلى أنها لم تنجح في إنجاز الحد الأدنى مما هو مطلوب منها في مواجهة الأزمتين الإقتصادية والمالية، وبالتالي بات من الضروري البحث عن بديل.

في هذا الإطار، برز سيناريوهان: الأول يدعو إلى إحداث تعديل وزاري يقوم على إدخال قوى سياسية جديدة إلى الحكومة، أما الثاني فيدعو إلى إستقالتها بشكل كامل والذهاب إلى تشكيل حكومة سياسية جامعة، تشبه تلك التي سقطت على وقع التحركات الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، من دون أن تنجح الإتصالات في الوصول إلى أي نتيجة.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن داخل قوى الأكثرية النيابية فريق لا يزال يفضل العودة إلى التركيبة السابقة، سياسية أو تكنوسياسية، وهذا الفريق لم يتردد في إرسال إشارات تؤكد ذلك، طوال الفترة الماضية، وأبرز أركانه رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ ورئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​، على قاعدة أن التوازن مفقود على طاولة ​مجلس الوزراء​.

في المقابل، تؤكد المصادر نفسها، أن "​التيار الوطني الحر​" لا يبدو متحمساً لهذا الطرح، حيث يفضل التعديل الحكومي الداخلي على التغيير الكامل، لا سيما أن علاقته مع تيار "المستقبل" لم تعد إلى ما كانت عليه أيام التسوية السياسية بين الجانبين، بل هي تزداد توتراً يوماً بعد آخر، والتيار لم يعد يتردد في توجيه الإنتقادات إلى أداء ​حكومة حسان دياب​، متمسكاً بنظرية أنه خارج السلطة مع العلم ان هذه النظرية لا تقنع أي جهة سياسية محلية أو خارجية.

وسط هذه المعمعة يبقى السؤال الأساسي حول موقف "​حزب الله​"، بحسب ما ترى هذه المصادر، والذي لا يمكن وضعه ضمن مواقف أي من الفريقين المذكورين في الأعلى، فهو لا يمانع من جهة حصول تغيير أو تعديل حكومي، ولا يمانع الاتفاق على حكومة جديدة جامعة، لكن ما يخشاه هو الدخول في مغامرة غير محسوبة النتائج، وبالتالي هو يفضل الإتفاق مسبقاً على أي توجه كي لا تقع البلاد في مرحلة فراغ قاتلة، خصوصاً أن الظروف المحلية والإقليمة لا تسمح بذلك.

بالتزامن، ترى مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، أن البحث في أي تغيير حكومي يفترض أن ينطلق من المعطيات الراهنة، لتسأل: "هل تبدلت تلك التي كانت قائمة لحظة تكليف دياب"؟، وتجيب: "قد يكون وجود سعد الحريري في ​رئاسة الحكومة​ مفيداً في الحد من التوترات في الشارع، لكن عملياً هو غير قادر على تأمين ظروف عودته".

وتشير المصادر نفسها إلى أن الحريري لم ينجح في إسقاط الفيتوات الخارجية التي منعت تسميته، وتؤكد أنه غير قادر على إبرام تسوية جديدة مع "التيار الوطني الحر"، في ظل العلاقة المتوترة بين الجانبين منذ تاريخ إستقالته، ولا على تأمين الظروف التي تؤمن نجاح مهمته، عبر ضمان حصول لبنان على مساعدات خارجية عاجلة، نظراً إلى أن الموقف الأميركي من هذا الأمر واضح لا لبس فيه.

وترى هذه المصادر أنه من غير المسموح الوصول إلى أي تهدئة محلية، قد تساعد القوى السياسية في إلتقاط أنفاسها، خصوصاً مع دخول قانون قيصر كلاعب أساسي في المشهد، لكن التعقيدات الراهنة تدفعها إلى فتح قنوات الإتصال الجانبية، خصوصاً أنها تجمع على أنها مستهدفة، كتلك التي تحركت في عطلة نهاية الإسبوع الماضي، والتي تمثلت في الحركة التي قام بها رئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" النائب السابق وليد جنبلاط، تجاه بري والحريري، وبالإتصالات الحزبية التي كانت قائمة لتطويق الجبهات المشتعلة.

في المحصلة، ظروف التعديل أو التغيير الحكومي لم تنضج بعد، لا محلياً ولا خارجياً، لكن هذا لا يعني أن الفكرة غير موجودة لدى مجموعة واسعة من القوى السياسية، ومن الممكن أن تتحول إلى أمر واقع في أي لحظة، لا سيما إذا ما دعمتها معطيات جديدة على المستوى الأمني تحديداً.