منذ فترةٍ غير قصيرة، بدأ يُطرَح موضوع تغيير أو تعديل الحكومة في الأوساط السياسيّة بشكلٍ جدّي، على اعتبار أنّ الحكومة الحاليّة استنفدت فرصتها، وعجزت عن تحقيق المأمول منها، وأنّ قدرتها على مواجهة التحدّيات الكثيرة الملقاة على عاتقها تبدو منعدمة إلى حدّ كبير، خصوصاً في ضوء المعارضة المتصاعدة في وجهها.

ثمّة من قرأ خلف الطرح دعوةً مبطنة إلى "الإطاحة" برئيس الحكومة الحاليّ حسّان دياب، الذي كثرت "تبايناته" في الآونة الأخيرة مع سائر المكوّنات الحكوميّة، ولا سيّما فريق "العهد" الوزاريّ، في سبيل عودة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، التي لا يخفي الكثير من أركان الطبقة الحاكمة "توقهم" إلى حصولها اليوم قبل الغد.

وإذا كانت التسريبات الكثيرة حول التعديل والتغيير الحكوميّ، معطوفةً على "الحملات" التي تُشَنّ على دياب بين الفَينة والأخرى من قلب الفريق الحاكم قبل الخارج، تهدف برأي كثيرين إلى "الضغط" على دياب، لعلّه يقتدي بما سبقه الحريري إليه، فيعلن "استقالة" حكومته من تلقاء ذاته، فإنّ "العقبة" الأكبر في وجه مثل هذا "الطموح" تبقى أنّ دياب ليس الحريري...

"خلافات" بالجملة...

لا شكّ أنّ الحديث عن "التغيير الحكوميّ" الذي تكثّف في الأيام الأخيرة لم يأتِ من فراغ، وهو ليس منعزلاً بطبيعة الحال عن الأجواء السياسيّة التي لا يبدو أنّها تصبّ لصالح رئيس الحكومة الحاليّ ​حسان دياب​، الذي لا يُعتبَر "مَرضياً عنه" داخل الائتلاف السياسي الحاكم، تماماً كما أنّه "مغضوب عليه" في أوساط المعارضة.

فإذا كان دياب وصل إلى ​السراي الحكومي​ّ "بالصدفة" كما يحلو للبعض القول، نتيجة الخلاف الذي طرأ بين الحريري وفريق "العهد"، فإنّ بوادر "الخلاف" بينه وبين "العهد" نفسه باتت شبه واضحة للعيان، حتى أنّ الكثير من وسائل الإعلام المحسوبة على هذا "العهد" لم تعد تتجنّب التصويب على الحكومة التي خيّبت الآمال.

وإذا كانت الحملات على دياب اتّخذت أشكالاً متنوّعة، من اتهامه تارةً بمسايرة الأميركيين عبر طرح قانون "قيصر" على الطاولة الحكوميّة استجابةً لرغبتهم، وتحميله طوراً مسؤولية تكريس نهج المحاصصة بإصراره على تعيين بعض المحسوبين عليه، كمستشارته بترا خوري التي باتت "فاقعة" رغبة الرجل بتعيينها في أيّ منصب وكيفما كان، فإنّها وصلت إلى "ذروتها" على ما يبدو مع ملفّ التشكيلات القضائيّة، والمسار الذي اتّخذه في الساعات الماضية.

وفي هذا السياق، لا يتردّد البعض في الحديث عن "رسائل" واضحة الدلالات في الهجوم الذي شنّه الوزير السابق ​سليم جريصاتي​ على الأمين العام لمجلس الوزراء ​محمود مكية​، على خلفية تغريدة الأخير حول توقيع دياب على مرسوم ​التشكيلات القضائية​ "فور" وصوله إلى دوائر السراي، وقبل إحالته إلى ​قصر بعبدا​، في غمزٍ من قناة رئيس الجمهورية، وكأنّ عدم توقيع الأخير على المرسوم، وهو حقّ دستوريّ ممنوح له، يدينه في مكانٍ ما.

ولا يتردّد المقرّبون من عون في اعتبار أنّ دياب "اصطفّ" في هذا الملفّ إلى جانب "خصوم العهد"، برميه الكرة في ملعب الرئيس، في محاولةٍ لـ "إحراجه"، مع إدراكه أنّ عون لم يكن ليوقّع التشكيلات، التي يرى فيها "​التيار الوطني الحر​" استهدافاً واضحاً له، علماً أنّ العديد من الوزراء سبق أن وجّهوا انتقاداتٍ صريحة لما اعتبروها "مماطلة" في مقاربة هذا الملف، الذي قبع في أدراج ​وزارة العدل​ لفترةٍ طويلة، قبل أن يسلك مساره الطبيعيّ المفترض.

أبعد من الاستقالة...

عموماً، وبمُعزَلٍ عن حجم الخلافات المتصاعدة بين مكوّنات الائتلاف الحاكم، لا يحتاج المرء إلى الكثير من التدقيق والتشريح ليدرك أنّ "شخصية" رئيس الحكومة الحاليّ حسّان دياب، المختلفة عن الحريري وسائر "زملائه" في نادي رؤساء الحكومات السابقين، لا تمنحه "ترف" الاستقالة من المنصب، ولو اصطدم بكلّ المعوّقات التي تخطر على البال.

ويقول البعض إنّ دياب الذي جاء من خارج الطبقة السياسية التقليدية، ولو أنّه استطاع أن يصبح في وقتٍ قياسيّ "جزءاً منها"، حتى أنه بات يطالب بـ "حصّته" من التعيينات وغيرها، ليس في وارد الاستقالة عند أول مطبّ، كما فعل الحريري مثلاً، الذي أوقعته استقالته في "مأزق" مع شركائه في الحكومة الذين "صُدِموا" بخطوته غير المنسَّقة معهم، أو مع الشارع الذي حاول الحريري "التودّد" إليه بخطوته، من دون أن ينجح في ذلك، باعتبار أنّ الاستقالة التي فُرِضت عليه بشكلٍ أو بآخر، لا يمكن أن "تشطب" سجلاً حافلاً في الحكم.

ويذهب البعض أبعد من ذلك باستبعاد إقدام دياب على خيار الاستقالة، أقلّه بشكلٍ أحاديّ، وفي هذه المرحلة، ليس فقط من عوامل "شخصيته" التي يسيطر عليها "الإيغو" (الأنا) وفق توصيف بعض المهتمّين، ولكن لكونه يدرك أنّه سيكون "الخاسر الأكبر" في حال لجوئه إلى هذا الخيار، أيضاً لأنّه ليس الحريري، وبالتالي فإنّ انسحابه اليوم من ​السياسة​ قد يصبح "أبدياً"، ولو رافقه لقب "دولة الرئيس"، وهو الذي يطمح للبناء عليه لترسيخ "زعامة" جديدة، لا الاكتفاء به والعودة إلى مسيرته الأكاديميّة السابقة.

وأبعد من الاستقالة، ثمّة من يطرح أسئلة عن "المغزى" منها وما بعدها، إذا ما تمّت اليوم قبل الغد، وبالتالي الحلّ الذي يمكن أن تشكّله، ولو أفضت إلى عودة الحريري مثلاً إلى أحضان السراي. وينطلق هؤلاء من "المآخذ" التي رسمها الحريري نفسه على الأداء الحكوميّ، من "التراجع عن قرار مجلس الوزراء في شأن سلعاتا إلى رد التشكيلات القضائية بعدما وقّعها رئيس الحكومة (...) إلى اعتبار التعيينات ملكاً حصرياً لجهة حزبية واحدة وإلى اتخاذ الرئاسة الاولى متراساً للدفاع عن مطالب حزب العهد"، وكلّها مآخذ على "العهد" لا على دياب، الذي قد يقول الأخير إنّ "لا حول ولا قوة له" فيها، تماماً كما كان وضع الحريري في السابق، والذي كان أقصى ما يفعله اعتراضاً على مثل هذه الممارسات، "الاعتكاف" بانتظار "الفرج" الذي لم يكن يأتي سوى على شاكلة "التسوية" التي لا تغيّر شيئاً في المعادلة.

بديل وحيد!

قد يكون كلّ ما أثير عن "تعديل وزاريّ" مجرّد "بالون اختبار" أراد البعض رميه في الهواء، لجسّ النبض حول الخيارات المُتاحة حالياً، ولو "تعمّد" استخدام أدوات محسوبة على "عرّابي" الحكومة قبل خصومها، في سبيل إضفاء بعض "الجدية" على الطرح.

لكنّ الأكيد أنّ توقيت الاستقالة لم يَحِن بعد، بل أنّ ثمّة توافقاً ضمنياً بين الموالاة والمعارضة على حدّ سواء، على أنّ البديل عن الحكومة الحاليّة ليس سوى الحكومة الحاليّة، وأنّ الوقت ليس مناسِباً لأيّ تغيير لا تتوافر الأرضية الملائمة له أصلاً، في ظلّ "الصراع الوجوديّ" الذي تشهده البلاد، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

وثمّة من يذهب أبعد من ذلك بالتأكيد أنّ الحريري، على رغم رغبته بالعودة إلى السراي الحكومي اليوم قبل الغد، لا يعتقد أنّ "مصلحته" تقتضي ذلك في الوقت الحاضر، باعتبار أنّ صفوف "المعارضة" تمنحه "راحة" أكبر في التعامل مع المستجدّات، خصوصاً لجهة استنهاض شارعه وتعويض ما فات، بدل "تشريعه" على الأقربين والأبعدين كما هو حاصل حالياً...