لم يكن ينتظر ​اللبنانيون​ أزمة "الكورونا"، أو مصيبة "​الدولار​"، كي يعترفوا أن ميزانهم التجاري يعاني من ​العجز​ الشديد، فما يستهلكه الشعب، يستورده، وما يُنتجه، هو قلة قليلة من حجم الاستهلاك. دقّ ناقوس الخطر، واستمرار الفجوة بين ما ننتجه وما نستهلكه، ستعني "الجوع"، لذلك علت الأصوات المتحدثة عن "​الأمن​ الغذائي"، وضرورة لجوء كل لبناني الى ​الزراعة​، حتى ان الخطة الماليّة الحكومية تطرقت الى هذا الأمر من خلال حديثها عن تسهيل استثمار املاك ​الدولة​ من قبل ​المزارعين​. ولكن قبل الخطة بأشهر كانت المصلحة الوطنية ل​نهر الليطاني​ قد أطلقت عملها في هذا الإطار.

"تعدلت مهام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني عام 1964، فأُدخل عليها ما عُرف بـ"التجهيز الريفي أو التجارب الزراعية"، لارتباط الزراعة بمشاريع الري"، يقول مدير عام المصلحة ​سامي علوية​، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنه "لا يمكن بيع المزارع ​المياه​ دون تدريبه على الممارسات الزراعية السليمة التي تتعلق باختيار طرق الري، برامج التسميد، وأنواع المزروعات وأهمية تخصيب التربة".

كانت العملية بطيئة جدا في الماضي وكان الاستثمار بأدنى سلم الاولويات، ولكن اليوم اختلف الحال بسبب 3 أمور، هي بحسب علوية "النجاح بتحرير أعداد كبيرة من الاراضي نتيجة حملة رفع التعديات، نجاح تجارب سابقة بدأنا فيها عام 2018 لزراعة ​القمح​ وقد أدّت لحصولنا على مردود مالي كبير، والأمور المستجدة بالنسبة للأوضاع المالية وتغيّر أدوار الدولة والتنبه لأهمية ​القطاع الزراعي​".

ويضيف: "بدأنا في العام 2019 نتوسع بالنشاط الزراعي وتحديدا بإنتاج ​زيت الزيتون​، بعد أن كانت أراضي الزيتون المملوكة من المصلحة محتلّة، وأنتجنا حوالي 100 "تنكة زيت"، ثم انتقلنا الى زراعات الحبوب للمشاركة في تحصين الأمن الغذائي، وأصبح مجموع الأراضي المزروعة التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني حتى الآن 1,447,904 م2 (مليون واربعمئة وسبعة واربعون ألفاً وتسعمئة وأربعة أمتار مربعة)، وهي على الشكل التالي: ​العقارات​ المزروعة من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني: يبلغ مجموع مساحتها 381,781 م2 ثلاثمئة وواحد وثمانون ألفاً وسبعمئة وواحد وثمانون متراً مربعا. اما العقارات التي تم تضمينها للمزارعين (في نطاق ​بر الياس​، ​كفرزبد​)، يبلغ مجموع مساحتها 129,072 م2 مئة وتسعة وعشرون ألفاً واثنان وسبعون متراً مربعاً، بينما العقارات التي تم تأجيرها بموجب مزايدة عمومية للمزارعين (في نطاق ​خربة قنافار​، ​جب جنين​، لالا)، يبلغ مجموع مساحتها 937,051 م2 تسعمئة وسبعة وثلاثون ألفا وواحد وخمسون متراً مربعاً.

نجحت تجربة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في تقديم الأراضي للمزارعين لاستثمارها بكلفة زهيدة، ولكن النجاح لم يكن لهذا السبب فقط، بل لأنّها اهتمّت وتابعت وعملت على الأرض على مساعدة هؤلاء المزارعين، وأثبتت نحاجها أيضا في اختيار البذور، والتدريب والتعليم.

وفي هذا السياق يشير علوية الى أن الأهم من تقديم الاراضي للزراعة هو الاهتمام بالمزارعين، لأنه لا زراعة عن بُعد، والدولة حاليا تريدها عن بُعُد، فهي لا تريد أن تؤمن ​مياه الري​ النظيفة، وتعلم أن السقي يتم ب​مياه الصرف الصحي​، هي تقترح تأمين الأرض له ولا تريد تأمين حاجاته الزراعية المطلوبة، مشددا على أن دور الدولة يكون بالعمل الجدي لتنفيذ الشعارات، وحماية الأراضي الزراعية، وتصنيفها عبر المخططات التوجيهية، وتخفيض عامل الاستثمار فيها ووقف ​التلوث​، وتوفير الري، فالأمن الغذائي لا يكون بالمياه الآسنة.

كانت ​مصلحة الليطاني​ السبّاقة في فكرة تقديم الأراضي للمزارعين ودعمهم، ولا شك أن الدولة مدعوة من خلال ​المشاعات​ مساعدة المزارعين للاهتمام بها، ولكن مع الاهتمام الشامل والكامل بهم، لكي تؤتي هذه الخطة ثمارها، وتحقق المرجو منها بخفض حجم الاستيراد، وتأمين نسبة لا بأس بها من حجم الاستهلاك المحلي.

​​​​​​​