صحيح أن العلاقة بين رئيس حزب القوات ال​لبنان​ية ​سمير جعجع​ ورئيس تيار المستقبل النائب ​سعد الحريري​ لم تعد على ما يرام منذ مدة، وصحيح أيضاً ان حليفي الأمس ضمن ما كان يعرف بـ"قوى الرابع عشر من آذار"، أصبحا على تباعد سياسي واضح بدأ منذ عهد الحكومة السابقة التي رأسها الحريري وشعرت فيها القوات أنها مستهدفة بفعل التسوية التي كانت قائمة بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب ​جبران باسيل​، ثم تطور بعدما رفض جعجع تسمية الحريري لرئاسة الحكومة في الإستشارات النيابية الملزمة، ولكن ما من أحد توقّع أن هذا التباعد بين الرجلين قد يصل في يوم من الأيام الى حد السجال السياسي الشخصي الذي سجل بالأمس بينهما.

"سجال جعجع-الحريري له أسبابه المستجدة والمرتبطة مباشرة بملفات حساسة، يعتبرها الثاني من المسلمات بالنسبة اليه ويتعاطى معها الأول بموضوعية تامة"، يقول المتابعون لتفاصيل العلاقة بين ​بيت الوسط​ و​معراب​. ويضيفون، "على رأس هذه الملفات يأتي التعاطي مع الحكومة الحالية، فبينما قرر الحريري منذ البداية مواجهتها مهما فعلت وبكل الوسائل الى حدّ إسقاطها إذا كان ذلك ممكناً بالنسبة اليه، قرر جعجع التعاطي معها على القطعة، فعندما أصابت أشاد بها وعندما أخطأت هاجمها، وهذا ما لم يتلاقَ مع سياسة الحريري تجاه ​حكومة حسان دياب​. في السياق عينه إختلف جعجع والحريري على كيفية التعاطي مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وفريق "العهد"، وهنا ظهرت حنكة لدى جعجع لم تعكسها سياسة الحريري، وفي تفسير أوضح، الإثنان هاجما "العهد" وإنتقدا قرارات كانت بصمات فريق الرئيس واضحة عليها، ولكن عندما دعا ​الرئيس عون​ رؤساء الكتل الى إجتماع مالي إقتصادي في بعبدا لمناقشة خطة الحكومة ووضع الملاحظات عليها، شارك جعجع بينما رفض الحريري ذلك وهذا ما إنقلب ضدّه على وسائل التواصل الإجتماعي.

حتى في مسألة ​حزب الله​ وسلاحه الذي يصفه الاثنان بـ"غير الشرعي"، لم يتلاقَيا على رؤية واضحة للتعاطي معه، فالحريري يخوض معركة نزع ​السلاح​ والتحريض ضدّه علناً عبر مناصري التيار الأرزق، بينما يعتبر جعجع ونواب القوات، أن حلّ مشكلة السلاح بات مستحيلاً على الدولة والحكومة، وبالتالي على الحزب أن يقوم هو بالمبادرة ويطرح سلاحه على طاولة النقاش، تمهيداً للوصول الى حل له يوماً ما، وهذا ما يعتبر من المواقف القواتية البارزة والمتقدّمة حيال سلاح الحزب خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع عقوبات أميركية جديدة تُعدّ للبنان.

إذا بين جعجع والحريري، المشكلة ليست مشكلة رمانة، بل مشكلة قلوب مليانة وتراكمات، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر فأكثر حدّة السجالات بينهما، خصوصاً أن الرجلين حالياً في المعارضة، ولن يلتقيا قريباً في السياسة لأن ما من شيء سيفرض عليهما التلاقي، فالإنتخابات لا تزال بعيدة، هذا إذا عاد التحالف فيها الى سابق عهده.