اعتبر راعي أبرشية ​بيروت​ للموارنة المطران بولس عبد الساتر، في حديث صحافي أن "​لبنان​ قائم على عجيبة، وبقاؤه حتى اليوم هو أعجوبة بحدّ ذاتها، لذلك فهو وطن باقٍ ولن ينتهي".

أما بالنسبة الى التعاطي مع السياسيين، فيقرّ عبد الساتر انّ الامر لا يستهويه، وانّ هوايته الاساسية همّ الناس "وإذا ما استلزم هذا الهَمّ التعاطي مع السياسيين وأجبرني على اتخاذ موقف منهم فليكن".

عن عظته الشهيرة كشف عبد الساتر ، انه لم يكن يقيّم من خلالها الحكم أو العهد لأنّ ​الشعب اللبناني​ هو الذي سيعاود تقييمه للحكم ورجالاته عند ​الانتخابات​ المقبلة، موضحاً أنّه كان يعِظ من منبره الحقيقي في شكل واضح ومباشر، ويؤدي عمل الاسقف الذي يعتلي مذبحه لنقل همّ الناس ويعظ المسؤولين كأب، كاشفاً انّ هوايته التجوال بين الناس وفي الحي الشعبي الذي نشأ فيه مع عائلته المتواضعة، مستمعاً الى مطالبهم وشكواهم "وعندما تسنّت لي الفرصة لنقل شهادتي امام المعنيين شهدت بالحقيقة، وكان من البديهي القول لهم، بعدما وضع الشعب كل ثقته بهم في الانتخابات، راجعوا حساباتكم، وهل حققتم آمال شعبكم؟ فإذا كنتم عل استعداد للتغيير بادروا، اما اذا كنتم غير قادرين فالافضل لكم الاستقالة".

ونفى عبد الساتر تلقيه لوماً من اي مرجعية سياسية او دينية بعد كلامه، لافتاً الى "انّ هناك ثوابت ومبادئ لا يتجاوزها الاساقفة ​الموارنة​ ورجال ​الدين​ في عظاتهم، لكن الاهم هو ان علينا قول الحقيقة".

وعن رفع صورته في وسط ​ساحة النور​ ب​طرابلس​، علق عبد الساتر بالقول :"لا استأهل محبة بهذا الحجم"، معتبرا أن "المسؤولية التي اوكلت اليه اصبحت اكبر ولا يستطع تحمّلها، مؤكّداً انّه حدث فريد في لبنان، بخاصة انّ الصورة التي رُفعت معبّرة جداً، وهي مأخوذة من الذبيحة الالهية عند رفع دم المسيح ذبيحة، اي تقدمة لله الآب، ورمزيتها انّها وُضعت قرب مجسّم كلمة الله الذين يعبدون، ومعناها هم يعرفون انّ الذي يتكلم هو شقيق لهم ولو كان من ​طائفة​ اخرى، وانّ الله الخالق جمع بينه وبينهم في مشهدية موحّدة ومعبّرة في وسط ساحة النور، واشعر بعد هذه الخطوة انّ المسؤولية كبرت عليّ ولم أعد استطيع ان اتكلم سوى عمّا يعبّر عن وجع جميع اللبنانيين وليس وجع منطقة او فئة واحدة من اللبنانيين".

بالنسبة الى أحداث السبت الماضي تمنّى عبد الساتر على رجال الدين وال​سياسة​ أخذ ما حصل بأهمية قصوى وليس الاكتفاء بالاستنتاج بأنّها ابنة ساعتها ولن تتكرّر، لأنّ لا احد يعلم الحقيقة حتى ​الساعة​. إذ يجب العمل على تنقية النفوس.

أما عن إنتفاضة أمس الأول فعلّق عبد الساتر قائلاً: "انّه لمحزن أن يستغل أحدهم ألم الناس ويأسهم ليخرّب ويحرق"، داعياً إخوته إلى أن يرفضوأ "التعصّب المذهبي والتزلّم الأعمى والإنقياد الى شعارات فارغة ..لأنّ لا ثورة تقوم الاّ على يد من كان حرّ الضمير والإرادة".

وبالنسبة الى ملف لاسا العقاري، كشف عبد الساتر أنّ "هناك مسحاً للاراضي لم يُنجز حتى اليوم كلياً، وأنّ سندات الملكية موجودة ومثبّتة"، ورأى "أنّ الافضل تحكيم ​القضاء​ لحلّ ملف لاسا، لأنّه وحده قادر على الحكم والفصل فيها بعد التأكّد من الحجج القديمة وإكمال مسح الاراضي الذي يجب ان يتمّ في اقرب وقت، وليأخذ من له حق حقه"، منبّهاً من عدم الوثوق بالقضاء "لأنّ في لبنان قضاة من انبل ​القضاة​".

ولفت الى انّ "هناك مفاهيم مختلفة لأخوتنا ​الشيعة​ بالنسبة الى مفهوم الاوقاف ​المسيحية​ مغايرة لمفهومنا منه، خصوصاً وانهم يُدخلون عليه عناصر وعوامل خاصة بالانتداب الفرنسي، الامر الذي لا يصلح اليوم، خصوصاً حين يقول البعض انّ المسح ايام هذا الانتداب تمّ تحت الضغط، وفي هذه الحال من يؤكّد هذا الامر؟! ولذلك نرى انّ من الانسب العودة الى القضاء للفصل، لأنّ إحالة الملف الى لجنة من هنا او هناك هي مضيعة للوقت".

ولفت إلى أن "السبب الذي جعل البطريرك الحويك يتوصل الى اعلان دولة لبنان الكبير لم يكن قوة شخصيته، بل لأنّه فاوض بإسم الشعب اللبناني بكامله، ولذلك فاوض من منطق القوة"، معتبرا أن "عصا بكركي كانت ستُسمع وكان سيكون لها وقع هادر لو كان هناك شعب لبناني مسيحي ومسلم خلفها وليس مارونياً فقط"، مضيفا :"اما اذا كانت اليوم عصا بكركي غير مؤثرة فأنا واثق من أنّ كلام غبطة البطريرك ​مار بشارة بطرس الراعي​ كان حازماً وواضحاً في الأوقات الحرجة التي لا تُنسى. فهو الذي بقي وحده ينادي بانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل ​حكومة​، وعندما يئس الباقون ولكن اذا لم يلق موقفاً موحّداً من جميع المسيحيين فكيف سينجح، وانا أعلم كم حاول،".

ولفت عبد الساتر الى انّ "الكنيسة وحدها ليس بمقدورها تلبية كافة رغبات رعاياها، ولكنها تحاول قدر المستطاع في ظلّ هذه الظروف المعيشية الصعبة، إلاّ انّ المطالب تتضاعف يومياً بسبب حجم الازمة"، مذكّراً المشككين "كيف انّ الكنيسة احتضنت رعاياها خلال الحرب وشرّعت مؤسساتها وأديارها لكل الذين تهجّروا من منازلهم وغادروا قراهم، وهي لن تبخل اليوم ايضا عليهم اذا احتاجوا كما فعلت في الحرب"، لافتاً الى انّ كل ابرشيات الرعية توزع الحصص الغذائية على المسلمين والمسيحيين كافة وبلا تفرقة، وهناك شهادات مواطنين كثر تثبت ذلك، وكذلك تفعل مؤسسات الكنيسة من «كاريتاس» وغيرها، علماً أنّ البطريرك الراعي في صدد تحضير خطة كبيرة لديمومة المساعدات لكافة ​العائلات المحتاجة​، إلا أنّه اذا فُصِلَ ابناؤنا من أعمالهم أو طُردوا من منازلهم فسنفتح أديرتنا ومدارسنا لإيوائهم. ونحن نواظب على ​الصلاة​ لكي لا نصل الى هذا اليوم لأن الكنيسة ليست ​الدولة​".

اما بالنسبة الى القانون والوعود في ​مجلس النواب​ لمساعدة ​المدارس الخاصة​ ولا سيما منها مدارس الارساليات المسيحية، فيعلّق عبد الساتر عليها قائلا: "لا تقول فول حتى يصير بالمكيول"، لافتاً الى انّ "الهدر الذي حصل في الدولة كان في الامكان عدم حدوثه وتحويل تلك الاموال الى المدارس الخاصة لمساعدتها في الاستمرار، لأنّ الاهالي يدفعون ضريبة للدولة وهذه المساعدة هي من حقهم".

ودعا عبد الساتر "جميع المسؤولين المقتدرين من سياسيين وغير سياسيين" الى "المبادرة لإنقاذ ​المدارس الكاثوليكية​ الخاصة"، مؤكّداَ أنّ "غالبية هؤلاء هم خريجو هذه المدارس"، داعياً إيّاهم الى "المساعدة مادياً لنجدتها وفاءً لما أوصلتهم اليه من مراتب ومكانة"، لافتاً الى أنّهم على ثقة من انّ كثيرين يساعدون، ولكن تلك المدارس ما زالت في حاجة الى مبادرات عدة للمساعدة في إنهاء ​العجز​ الكبير جراء الحسومات الكبيرة للاهالي، لافتاً الى "انّ هذه المبادرات ستساعدنا في اقفال العدد الاقل من مدارسنا في مناطق الاطراف"، كاشفا انّ "هناك 6 مدارس كاثوليكية ستقفل أبوابها حتى الساعة في الفصل المقبل من ​السنة​، آملا في أن لا يرتفع العدد في السنة المقبلة".

اما الحلّ الثاني فهو، في رأيه، "مساهمة الدولة في تحمّل مسؤولياتها وعدم القول ان لا اموال لديها، ولتخفف الانفاق على الامور التي لا تفوق بأهميتها التعليم الخاص ولا يمكن الدولة التشريع من دون موافقة اصحاب العلاقة، ولقد حان الوقت للفصل بين التشريع للتعليم العام والخاص".