في السابق كانت تمرّ بمثابة "نكتة" عبارة "أن ال​لبنان​ي يدخل الجنة مباشرة لأنه عاش في جهنم على الأرض"، ولكن يوما بعد آخر يتحول لبنان الى "جحيم" حقيقي، ويصبح العيش فيه أكثر صعوبة، اذ بات ساكنه بحاجة الى أدوية اعصاب يوميّة تمنحه القدرة على الإستمرار.

"من منّا لا يعلم انّ الرابط بين ​الأزمة​ ​الاقتصاد​ية والصحّة النفسية كبير، وأن الأزمات تنعكس على ​الحياة​ اليومية والمنزلية والاجتماعية والصحية".

يقول المتخصص في علم نفس العمل ​محمد بدرا​، مشيرا عبر "النشرة" الى أن الشعور بالأمان النفسي والوظيفي والجسدي، خطوة أساسية لإشباع حاجات ​الإنسان​، وبالتالي فإن عدم قدرة الفرد او الجماعة على ​تحقيق​ الأمان، ومنه الإقتصادي ستنعكس بشكل سلبي على الصحة النفسية سواء الخاصة بالفرد أو الجماعة، وعلى طبيعة علاقة الافراد داخل المجتمع.

عاش اللبناني لفترة طويلة ضمن نمط اقتصادي معيّن، أساسه الرفاهية، فكان يعتمد على المساعِدة المنزليّة، وعلى الأستاذ الخاص لأولاده، وعلى الطعام الجاهز من ​المطاعم​، وعلى ​القروض​ للسفر وشراء السيارات والمنازل، ولكنه اليوم يشهد تغييرا جذريا في هذا النمط، الأمر الذي يخلق لديه شعورا بالقلق بحسب ما يقول بدرا، مشددا على أن القلق هو سمة الاضطرابات وفي كل لحظة يمر فيها الاقتصاد او الجماعة بأزمة اقتصادية سينعكس الأمر احساسا بالقلق نتيجة عدم وضوح الرؤية ونتيجة التغيير بالنمط المعاش.

ويضيف بدرا: "بحال لم يتمكّن الفرد من التأقلم مع الواقع الجديد فإن هذا الأمر سينعكس ازمات نفسية، لذلك على الناس أن يتأقلموا بطريقة تتيح لهم تحقيق التسوية النفسية، وهؤلاء سينجحون بتخطّي الصعوبات، ولكن من لا يتأقلم مع الواقع الجديد، سيتوجه نحو المأزق النفسي، وهنا يتحول القلق الى هيستيريا، تنعكس شعورا بالتهميش داخل المجتمع أو العائلة، وهنا يكون الشخص أمام توجهّين، فإما يحبس الأزمة داخله فتؤذيه، وإما تخرج بإتجاه المجتمع على شكل ردّات فعل عنيفة، كالجرائم و​السرقات​ وغيرها".

يمكن اعتبار الوضع النفسي والاقتصادي توأمين، فتردّي الثانية ينعكس بشكل سلبي على الأولى، وتدهور الأولى ينعكس بشكل سلبي على إنتاجيّة الفرد الإقتصاديّة، مع العلم أن الحالة الاقتصاديّة من أهم المؤشرات التي تحدّثت عنها ​منظمة الصحة العالمية​ للصحة النفسية، وفي هذا السياق يتحدث بدرا عن تأثير ​البطالة​ السلبي على الصحة النفسية، اذ أن الفرد عندما يصبح عاطلا عن العمل يشعر بأنه خرج من ​منظومة​ الجماعة، الأمر الذي يولّد لديه شعورا بالتهميش، وهذا يأخذه لردّات فعل عنيفة تجاه الجماعة التي لا تقدّم له الفرصة للمشاركة.

اذا وبحسب بدرا فإن الأزمات الإقتصاديّة تنعكس على طبيعة "المركب العلائقي" داخل المجتمع يعني عندما يكون الإنسان موجودا ضمن جماعة، ويأخذ فرصته معها، يصبح لديه مصالح مشتركة مع الجماعة، وتصبح طبيعة العلاقة مبنيّة على المصلحة، أما بحال الإحساس بالهامشيّة والغبن والظلم والنفي من الجماعة تتشوه العلاقة بين الطرفين، فتولّد أزمة الانتماء للمجتمع، وللوطن أيضا، ويصبح الانتقام هدفا.

ويشير بدرا الى أن العائلات بخطر بحال لم يتأقلم أفرادها على الواقع الجديد، مشدّدا على أن استمرارهم بالتعلق بالماضي، وبنمط العيش السابق، يؤدي لتفكك أسري ومشاكل داخل الأسرة الواحدة.

لا شكّ ان أزمة "​كورونا​" خلقت مشاكل نفسيّة للبشر، في كل العالم، وفي لبنان، ولا شكّ أيضا أنّ ​الوضع الاقتصادي​ سيجعل المشاكل النفسية مضاعفة، لذلك من المرجح تصاعد نسب الجرائم على أنواعها، ومحاولات ​الانتحار​ أيضا، والحلّ الأول لهذه المعضلات، هو التأقلم.