على وقع عودة التحركات المطلبية إلى الشارع، مع إنطلاق مرحلة الحد من حالة التعبئة العامة التي كانت معلنة في مواجهة ​فيروس كورونا​ المستجد، مدعومة بتردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، لا سيما إرتفاع سعر ​الدولار​ مقابل الليرة ال​لبنان​ية، دخلت على الخط اللعبة التي تتقنها معظم القوى السياسية المحلية وبعض الجهات الخارجية الفاعلة على الساحة اللبنانية، أي السعي إلى إستغلال الشارع لتبادل الرسائل.

في هذا السياق، كان من الواضح، في منتصف الإسبوع الماضي، أن هناك من يريد ​تفجير​ الأوضاع في وجه الحكومة، عبر الترويج لمعلومات عن إرتفاع سعر صرف الدولار إلى حدود 7000 ليرة، وبالتالي تحريك الشارع بوجهها لدفعها إلى الإستقالة، الأمر الذي تمّ الرد عليه، عبر السعي إلى أخذ التحركات إلى مكان آخر، أيّ الضغط على حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ لضخ الدولارات في السوق، على وقع نشر المعلومات عن التوجّه نحو إقالته من منصبه، التي تم نفيها في اليوم التالي بعد التوصل إلى إتفاق معه.

في المقابل، كان هناك من يريد، قبل منتصف الاسبوع الماضي، أن يحول بورصة التحركات الإحتجاجية إلى مواجهة عنوانها: سلاح "​حزب الله​" والعلاقة مع ​الحكومة السورية​، عبر الدعوات إلى تطبيق القرارات الدوليّة ذات الصلة ووقف عمليات التهريب عبر الحدود غير الشرعية، بالتزامن مع التحذير من محاولات الإلتفاف على قانون قيصر الأميركي الذي يبدأ تطبيقه اليوم.

الرسائل في الشارع غير منفصلة عن أخرى يجري الترويج لها في ​السياسة​، كالفرضية، التي سارعت بعض الشخصيات والقوى السياسية إلى الترويج، عن أن ضخ الدولار سيقود إلى تهريبه إلى ​سوريا​، بالرغم من الآلية الواضحة التي تم الإعلان عنها بعد جلسة مجلس الوزراء في ​السراي الحكومي​، بحضور سلامة ونقابة الصيارفة و​جمعية المصارف​، أو محاولات تحميل "حزب الله" مسؤولية أعمال الشغب التي حصلت في الأيّام الماضية، سواء في ​بيروت​ أو في ​طرابلس​، بينما كانت الجهات الحكوميّة والأمنيّة تتحدث عن أعمال مخطّط لها من قبل جهات محليّة وخارجيّة، من دون الكشف عن هويّة تلك الجهات.

من وجهة نظر مصادر سيّاسية متابعة، كل ما يحصل في الشارع اليوم ليس بريئاً، وبالتالي لا يمكن التعامل معه على أساس أنّه تحركات مطلبيّة لا أكثر ولا أقل، حيث تشير إلى أن المواجهة تحتدم على أكثر من جبهة، وحدّتها قد ترتفع أكثر في الأيام المقبلة، على وقع زيادة الضغوط الأميركية الراغبة في دفع بعض الأفرقاء المحليين، لا سيما "حزب الله"، إلى تقديم تنازلات، مقابل سعي الحزب إلى توجيه رسائل ​مقابلة​، وهو ما يُفسر الترويج لمعادلة أن على المواطنين معرفة أن عدوهم في هذه المعركة هو ​الولايات المتحدة الأميركية​.

في المقابل، تشير هذه المصادر، عبر "​النشرة​"، تأتي الأصوات الرافضة لما يحصل، من جانب تيار "المستقبل" وباقي القوى والشخصيات السنية، خصوصاً البيتروية، بالإضافة إلى مفتي ​الجمهورية​ ​الشيخ عبد اللطيف دريان​، والتي كان أبرزها النائب ​نهاد المشنوق​، وتلفت إلى أن هذه الأصوات أوحت أن البلاد في طور الدخول إلى المحظور على المستوى الأمني، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل يوم السبت في السادس من حزيران، وبالتالي بات من الضروري التحرك على هذا الصعيد قبل فوات الآوان.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، إستمرار الأوضاع على ما هي عليه ينذر بأن لبنان سيكون، في الأيام المقبلة، على موعد مع المزيد من الرسائل في الشارع، نظراً إلى أن أي فريق لم يعد قادراً على تحمل ضغط الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كانت هذه الرسائل ستعجّل من خيار الوصول إلى تسوية ما، أما أن وتيرتها سترتفع طالما أنّها لم تصل إلى المرحلة التي تدفع بالجميع إلى تقديم التنازلات، مع وجود من يعتبر أن لعبة الإنتظار وتحمّل الضغوط مرحلياً لم تعد تنفع، خصوصاً أن مؤشرات أيّ تسوية إقليميّة أو دوليّة لم تظهر بعد.

في هذا الإطار، تؤكد المصادر السياسية المتابعة أن هناك مسؤولية على القوى السياسية التي لا تزال تسعى إلى إستغلال الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية أجل لتوجيه رسائل سياسية، بعيداً عن التداعيات التي قد تترتب على ذلك، لكن هناك مسؤولية أكبر على ​الأجهزة الأمنية​ و​القضاء​، وتسأل: "لماذا لا يتم الكشف عن هويّة المجموعات التي تسعى إلى تفجير الأوضاع في الشارع، طالما هي تتحدث عن ​تقارير​ مفصلة عنها؟ وهل المطلوب الإكتفاء بتوقيف بعض الأشخاص الذين قد يكونوا مدفوعين لإفتعال أعمال الشغب بينما يبقى المُشَغِّل أو المُحرِّض بعيداً عن المحاسبة"؟.

وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الواقع، يقود إلى معادلة واضحة، هي أن تلك الجهات ستسعى إلى الإستمرار في عملها، طالما أنها لم تلمس أيّ جدية في التعامل معها، لا سيّما أن من يتمّ توقيفهم أو ملاحقتهم، أيّ الأدوات، من الممكن تأمين المزيد منهم، خصوصاً أن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية تسمح بذلك، وتضيف: "هذا لا يعني أن كل عنف في الشارع مشبوه، لكن طالما الحديث مستمرّ عن تحركات مشبوهة، من الواجب الكشف عنها بشكل كامل، لا أن يبقى "راجح" هو الحاضر الأبرز فيها".

بالنسبة إلى المصادر السياسية نفسها، المعادلة الإقتصاديّة واضحة، وهي أن ​العقوبات الأميركية​ أو عمليات التهريب إلى سوريا جزء من المشكلة وليس كلها، وبالتالي المعالجة الأساسية يجب أن تكون في الإجراءات التي من المفترض أن تذهب الحكومة إلى القيام بها، كتعزيز القطاعات الإقتصادية القادرة، من خلال التصدير، على إدخال العملات الصعبة إلى البلاد على سبيل المثال، في حين أن العناوين السياسية لن تقود إلى أي معالجة حقيقية.

في المحصّلة، الساحة اللبنانيّة مفتوحة على جميع الإحتمالات، لا سيما أن الفتنة المذهبية أطلت برأسها، خلال اسبوع واحد، على دفعتين، وبالتالي هذا الخطر لا يمكن تجاهله، خصوصاً إذا ما بقي الشارع هو المكان الوحيد المتاح لإرسال الرسائل أو فرض الضغوط، سواء الخارجية أو المحلية، بينما الحقائق تبقى مجرّد وجهات نظر يتم تبادل الإتهامات على أساسها.