غرق لبنان منذ ايام، بالاخبار والتحليلات والتعليقات والتحركات الناشطة في مقرات المسؤولين السياسيين والحزبيين، اثر انتشار خبر نية رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ توجيه دعوات شاملة لعقد طاولة حوار في ​قصر بعبدا​. في الواقع، وجّهت الدعوات في وقت لاحق من انتشار الخبر، وقد يكون طرح الموضوع في الاعلام قبل وصوله الى المعنيين حتى، من باب "جس النبض" لمعرفة التوجه السائد وامكان نجاح الموضوع او فشله، فلا يتم احراج احد.

وفيما اتجهت الانظار الى قصر بعبدا، كونه مكان انعقاد طاولة الحوار هذه، اعتبر البعض ان الانظار يجب ان تتجه الى مكان آخر، وبالتحديد الى حيث يوجد رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، معللاً السبب في الحركة الناشطة التي يقوم بها بري لجهة اللقاءات التي يجريها، ويرى هذا البعض ان عوامل كثيرة تصب في هذه الخانة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حديث بري من قصر بعبدا عن خطوات عملية لخفض سعر صرف الدولار، فبدا وكأنه هو من اخذ على عاتقه هذا الامر، وبعدها بساعات معدودة، عقد لقاء المصالحة بين رئيس الحزب الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ والنائب ​طلال ارسلان​ برعاية بري وحضوره، ثم نشطت محركات النائب ​سعد الحريري​ الذي زار عين التينة بشكل مفاجئ كما التقى النائب السابق وليد جنبلاط... كل هذه الامور وغيرها اوحت وكأن بري هو المعني بطاولة الحوار، وان عقدها في بعبدا لن يبدّل حنينه الى ترؤسه طاولة الحوار الشهيرة، ولكن سيجعله "شريكاً" في انعقادها بدل ان يكون مجرد مشارك فيها.

جهود كثيرة يبذلها بري، كما عون، من اجل انجاح مساعي انعقاد هذه الطاولة، وللحقيقة فإن مطالبات القوى المعارضة للعهد والحكومة كانت تعلو مراراً وتكراراً للوصول الى هذه الغاية في السابق، فيما اليوم باتت هذه الاصوات اكثر تحفظاً و"دلعاً" من المشاركة في اي حوار. هذا ما يمكن فهمه من تحفظ الحريري وعدد من رؤساء الحكومات السابقين عن اعطاء جواب واضح وصريح، مع العلم ان الجميع يدرك ان عقد اي حوار حاليا لن يؤدي الى نتيجة لان المشكلة خارجيّة اولاً، فيما اقصى نجاحاته ستكون "تنفيس" الاحتقان الداخلي بعض الشيء، والايحاء بأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، فيما يعمل الكثيرون بكل ما اوتوا من قوة على اعادتها، لضمان عودتهم الى دورهم السابق.

من الطبيعي ان يتمسكّ معارضو العهد والحكومة، قدر الامكان، بعدم المشاركة في اي حوار يتم عقده تحت مظلّة عون تحديدا، لانهم يرون ان الفرصة مؤاتية لزيادة تهميش العهد واضعافه حتى الرمق الاخير في ظل الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان من جهة، ولضرب اي محاولة قد يقوم بها رئيس الحكومة ​حسان دياب​ لانقاذ نفسه والحكومة من المشاكل التي يغرق بها لبنان من جهة ثانية، فيبدو هؤلاء وكأنهم "خشبة الخلاص" الوحيدة المتبقية للبنانيين والا الهلاك.

في المقابل، من الطبيعي ايضاً ان يقوم مؤيدو العهد والحكومة برفع السقف والاصرار على عدم رضوخهم للضغوط، وعلى الابقاء على حظوظهم في تحسين الاوضاع قدر الامكان، في محاولة لتبديد اي فكرة قد تظهر وتتعلق بضعفهم واستعدادهم للتنازل. انها اللعبة القديمة-الجديدة في لبنان، لعبة "دولاب الحظ" الذي يدور فيسقط في دورانه بعض الاشخاص ويرفع آخرين، قبل ان يقلب الامور رأساً على عقب من جديد.

ليس هناك من فشل بالمعنى الحقيقي للكلمة اذا لم ينعقد الحوار، فعون وجّه الدعوات رسمياً ما يعني ان نسبة الحضور ستكون عالية، فيما بقي تحرك بري في الكواليس (ولو بشكل ظاهر) انما بما يقيه تحمّل اي مسؤولية في هذا الاطار وابتعاده عن اي فشل في المحاولة.

وبين هذا وذاك، يبقى الحوار دون قيمة فعلية قبل ​الانتخابات الاميركية​ المقبلة التي ستكون البوصلة الحقيقية لسير الامور في المنطقة ومنها لبنان، ويتوقع كثيرون ان يبقى اللبنانيون في المرحلة القاسية والصعبة حتى معرفة هوية الرئيس الاميركي المقبل، وكيفية تعاطيه مع المسائل الشرق اوسطية.