إما أن يتحمل الأفرقاء الأربعة المعنيون بالملف التربوي تداعيات الإنهيار المالي الحاصل في ​لبنان​، أي ​الحكومة​ وإدارات ​المدارس الخاصة​ والأساتذة وأهالي التلامذة، وإما سيكون ​العام الدراسي​ المقبل ٢٠٢٠-٢٠٢١ بخطر، أي بمعنى آخر هناك تلامذة سيتعلمون وآخرون سيبقون من دون مقعد دراسي، لأن أهلهم باتوا غير قادرين على دفع أقساطهم في المدرسة الخاصة بعدما فقدوا رواتبهم وودائعم، ولأن المدارس الخاصة شبه المجانية وحتى ​المدارس الرسمية​، لن تكون قادرةً على إستيعاب الجميع، وهنا المقصود بالجميع، إستيعاب ​النزوح​ الكثيف الذي من المتوقع أن تشهده المدارس الخاصة وقد بدأ في اكثر من مدرسة كبرى في ​بيروت​ و​جبل لبنان​. كل ذلك من دون ان ننسى الآلاف من الأساتذة الذين سيصبحون من دون وظيفة، والمئات من المدارس التي ستقفل أبوابها بسبب عدم قدرتها على الإستمرار.

وكي لا يكون كلامنا من باب التحليل أو إبداء الرأي، لا بدّ من العودة الى لغة الأرقام، وفي هذا السياق، تكشف إحصاءات ​المركز التربوي للبحوث​ و​وزارة التربية​ أنه وبإستثناء الـ١٤٩٠٠٠ تلميذ سوري الذين يدرسون في المدارس الرسمية خلال فترة بعد الظهر، هناك في لبنان حوالي مليون و٧٤٠٠٠ تلميذ يتعلمون خلال فترة قبل الظهر، قرابة ٥٦٠٠٠٠ منهم في المدارس الخاصة غير المجانية، وحوالي ٣٤٣٠٠٠ تلميذ منهم في المدارس الرسمية، وما يقارب ١٣٥٠٠٠ في المدارس الخاصة شبه المجانية و٣٦٠٠٠ ألف في مدارس ​الأونروا​ المخصصة للاجئين الفلسطنيين. امام هذا الواقع، سؤال واحد يطرح، هل المدارس الرسمية قادرة على إستيعاب حركة النزوح المتوقعة من تلك الخاصة اليها؟.

الجواب بحسب المصادر التربوية المتابعة للملف، أن مباني المدارس الرسمية يمكنها أن استيعاب حوالى ٥٠٥٠٠٠ تلميذ، وهي كانت تستقبل في العام ٢٠١٩-٢٠٢٠ قرابة ٣٤٣٠٠٠، ما يعني انها قادرة على إستقبال ١٦٢٠٠٠ تلميذ إضافي، ولكن، المدرسة ليست فقط مبنى، فمن ناحية الموارد البشرية والتجهيزات يحتاج الوضع الى كثير من التغييرات والدعم من قبل ​الدولة​، فالتوظيف ممنوع بحسب القانون ٤٦ وكذلك التعاقد، وكل أستاذ ​تقاعد​ في السنوات الماضية لم توظف الدولة مكانه، لذلك قدرة المدارس الرسمية على إستقبال حركة النزوح من المدارس الخاصة لن تكون مؤمنّة بالسهولة التي يعتقدها البعض، وإذا لم يتم إستدراك الأمر من قبل الحكومة، فأيلول على الأبواب، ولبنان مقبل على كارثة تربوية في العام الدراسي المقبل لم يشهد مثيلاً لها قد يكون في تاريخه وحتى في عز ​الحرب اللبنانية​، التي تقطعت خلالها أوصال الوطن، وقسمت المناطق على الأحزاب وأمراء ​الطوائف​.

أما السؤال عن كيفية إستدراك الوضع لعدم الوصول الى الكارثة، فالجواب عليه لا يكون إلا بالتعاون بين الجميع، فالحكومة يجب ان تدعم التعليم الخاص مادياً، وأن تخصص اموالاً بالتوازي لورش تأهيل المدارس الرسمية ورفع قدرتها الإستيعابية، وإدارات المدارس الخاصة يجب أن تخفض أقساطها ومصاريفها، والأساتذة يجب أن يوافقوا على بعض الحسومات من رواتبهم بعدما أصبحت ساعات التعليم أقل من السابق، والأهل الذين يصرون على إبقاء أولادهم في مدرسة خاصة، عليهم أن يؤمنوا ما تبقى من القسط بعد تخفيضه من قبل إدارة المدرسة ودعمه من قبل الحكومة، وإلا الكارثة واقعة واقعة لا محال.