لفت الحزب التقدمي الاشتراكي في مذكرة قدمها خلال اللقاء الوطني في بعبدا إلى ان "​لبنان

يعيش لبنان في المرحلة الراهنة مصاعب وتحديات غير مسبوقة لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه المعاصر تكاد تتجاوز بتعقيداتها ونتائجها مخاطر كل الحقبات السابقة التي شهدت الحروب والنزاعات المسلّحة والانقسامات العميقة حيال الثوابت الوطنية والسياسية ذلك أنها تمهد للإنهيار الشامل على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية وتنذر بعواقب وخيمة على مختلف الأصعدة سيتطلب ترميمها والخروج منها سنوات طويلة وقاسية لإستعادة التعافي والنمو". وأضاف "لقد سبق للقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي أن حذَرا مراراً من مغبة الاستمرار في إدارة الظهر للإجراءات الإصلاحية الجذرية المطلوبة على المستوى الاقتصادي والتي كان من شأنها وقف التدهور والإنطلاق في عملية التغيير التدريجي الذي يتيح ضبط الإنفاق العام المتفلت وترشيده بالتوازي مع وقف الهدر ومكافحة الفساد والشروع ببناء الدولة العصرية التي طال انتظارها بما يتلاءم مع تطلعات اللبنانيين وطموحاتهم وبما يؤسس لحقبة جديدة تراعي فيها المساواة بين المواطنين والعدالة الإجتماعية والإنماء المتوازن وسائر المتطلبات الأخرى التي لم تتحقق رغم سنوات طويلة من النضال السياسي والإجتماعي".

وأشار إلى ان "لبنان اليوم أمام منعطف خطير يتطلب من كل القوى السياسية والشعبية الفاعلة الترفع عن التجاذبات الفئوية الضيقة لتهدئة المناخات العامة؛ ولكنه يتطلب بدرجة أعلى، من السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة أن تحزم أمرها وتتخذ القرارات الكفيلة بلجم التدهور ووقف المسار الإنحداري الخطير والإبتعاد عن ​سياسة​ التردد والمراوحة والركون الى المقاربة العلميّة والتقنيّة حصراً في مقاربة الملفات الإقتصادية والمالية والنقدية وفي تحديد أرقام الخسائر والحاجات للنهوض مجدداً بالإقتصاد الوطني بعيداً عن الخطابات الإنشائية الإتهامية التي لا تقدّم ولا تؤخر ولا ترتقي إلى حراجة المرحلة ودقتها بل تعيد توصيف الوقائع ورسمها من منظار مشوّه وغير سليم يرتكز أحياناً إلى سياسات الكراهية أكثر من ارتكازه الى الحقائق التي يُفترض بالمسؤول إعتمادها في إطار سعيه لتشخيص المشاكل وإجتراح الحلول".

وطلبت المذكرة "التأكيد على التمسك بوثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف) التي ترقى إلى مستوى التفاهم الميثاقي بين اللبنانيين الذي قد يشكل تجاوزه توليد مخاطر ومغامرات غير محسوبة نظراً الى حجم الإنقسامات السياسية العميقة بين اللبنانيين وصعوبة الإتفاق في اللحظة السياسية الراهنة محلياً وإقليمياً على إتفاق بديل ما سيؤدي إلى الإنكشاف السياسي التام في البلاد. وفي الإطار ذاته، وتزامناً مع مئويّة لبنان الكبير، فإن الوثيقة قد حسمت أيضاً نهائيّة لبنان وعروبته وذلك في إطار دحض كل محاولات التقسيم أو الفدرلة ورفضاً لإستلحاقه بأي دولة أخرى، وهو الأمر الذي يشدد اللقاء والحزب على التمسك به وتأكيده لا سيّما مع الانتعاش المتجدد لنظريّة "سوريا المفيدة" وسواها من العناوين والمشاريع الخطيرة التي لطالما حذّر منها رئيس الحزب وليد جنبلاط".، داعية إلى "المباشرة بتطبيق البنود غير المطبقة من الإتفاق وفي طليعتها: إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ. إن من شأن هذه الخطوات التي طال انتظارها التمهيد نحو قيام الدولة العصرية التي تكرّس المساواة بين مواطنيها ولا تميّز بينهم على أساس إنتماءاتهم المذهبية أو الطائفية. إن الإستمرار في التغاضي عن تطبيق هذه البنود الإصلاحية المركزية هو إمعان في تعميق نظام الفرز الطائفي والمذهبي والمحاصصة المقيتة".

وأكدت "رفض كل الطروحات التقسيمية الخطيرة كالفدرالية وسواها وهي الطروحات التي تنطفىء لوهلة ثم تعود وتطفو مجدداً في لحظات الإحتدام الداخلي وتوفر مادة للنقاش لأصحاب المشاريع المشبوهة في توقيتها ومضمونها. لقد تجاوز اللبنانيون، بصعوبة كبيرة وبأثمان باهظة، كل المشاريع التقسيمية التي طرحت في حقبة الحرب الأهلية وأكدوا جماعياً على التمسك بالوحدة الداخلية رغم كل الصعاب والتحديات".

وأشارت إلى انه " سبق أن ناقشت القوى السياسية اللبنانية في قصر بعبدا في جلسات حوارية متتالية بدعوة من الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الخطة الدفاعية على قاعدة الإستفادة من قدرات المقاومة في إطار الدولة التي لا بدّ لها، أسوة بسائر الدول، أن تمتلك قرار الحرب والسلم في اللحظة المؤاتية بما يحصن قدرات لبنان الدفاعية تجاه السياسات الإسرائيلية العدوانية الدائمة تجاه لبنان والتي ترجمت في السابق من خلال الغزوات والحروب والإعتداءات المتكررة. توازياً، التأكيد على التمسك بالقرار 1701 للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان. من هنا، فإن إستعادة ​النقاش​ حول الخطة الدفاعيّة وفق القواعد المذكورة أعلاه ضروري بما يفضي إلى تعزيز قدرة لبنان على الاضطلاع بدورها".

وطلبت "إعـادة الاعتبار لمقررات الحـوار الوطني الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في 2 آذار 2006 وشاركت فيه جميع الأطراف والشخصيات دون استثناء، وقد تمّ التوصل الى تلك المقررات بالإجماع ولم تشق كلها طريقها إلى التنفيذ وتمحورت حول المحكمة الدولية وترسيم الحدود اللبانية - السورية (أو تحديدها) وإثبات لبنانيّة مزارع شبعا في الأمم المتحدة بالوثائق ووفق الطرق القانونية المتعارف عليها وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وإذا كانت المحكمة الدولية قد إنطلقت وأخذت مسارها المؤسساتي كما هو معروف، فإن معظم العناوين ولا تزال محورية وأساسية على صعيد تعزيز السيادة اللبنانية وتمكين الدولة من القيام بمهامها الأساسية و التأكيد على رفض إعادة تجديد مقولة "تلازم المسارين" وهذه المرة من بوابة الاقتصاد، فلبنان لا يستطيع أن يتحمّل اقتصاد دولتين، وهو ما يتطلب إجراءات عملية حاسمة لضبط الحدود ووقف كل أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقات النفطية والمواد الغذائية وسواها لأن ذلك يستنزف القدرات اللبنانية المتآكلة أساساً للعديد من الأسباب المعروفة. وهذا الموقف يكاد يكون موضع إجماع في لبنان".

ودعت إلى "التأكيد على ضرورة صياغة سياسة إقتصادية جديدة تراعي مرتكزات العدالة الإجتماعية وتتضمن الخطوات التنفيذية الفعلية لتحويل الإقتصاد الريعي المتهاوي إلى إقتصاد منتج، وحماية القطاعات الإنتاجية وفي مقدّمها القطاع الصناعي والإنكفاء عن الدخول في المنظمات التجارية الدولية التي تستبيح الحدود وتغرق الأسواق اللبنانية بالبضائع والسلع التي يمكن إنتاجها محلياً. إن التأخير المتمادي في ولوج هذا المسار يفاقم التعثر في الإقتصاد اللبناني ويجعل سماته الأساسية التقهقر والفشل وهو ما ينعكس بشكلٍ كبير على الطبقات المتوسطة والفقيرة وذوي الدخل المحدود لا سيما بعدما تآكلت رواتبهم ومدخراتهم نتيجة تدهور سعر صرف العملة الوطنية في الأشهر المنصرمة". واعتبرت ان "المقترحات المتداولة حول تطوير العلاقات الإقتصادية مع الصين جديرة بالدرس والمتابعة، وإذا كان ثمه طروحات صينية جدية لبناء معمل كهرباء جديد في لبنان فذلك سيكون حتماً موضوع ترحيب لأنه قد يساهم في الخروج التدريجي من الأزمة الكهربائية المستفحلة منذ سنوات طويلة والتي استنفذت نحو 45 مليار دولار من الخزينة اللبنانية دون إيجاد الحلول الناجعة لها. وللتذكير أن الصين قد ساهمت في توسيع مرفأ طرابلس في خطوة هامة وتستحق أن تستكمل في مجالات أخرى. أما الطروحات الأخرى التي تطلق تحت عنوان "التوجه نحو الشرق" وتتضمن التعاون مع دول واقعة أساساً تحت العقوبات الدولية فدونه عقبات ومحاذير من شأنها مفاقمة عزلة لبنان الدولية والعربية وهو أمر غير محبذ على الإطلاق. ومن المفيد التذكير، في هذا الاطار، بعروبة لبنان التي حسمها إتفاق الطائف بعد خلاف دام لعقود وتضحيات كبيرة من غير المجدي التراجع عنها واستبدالها بخيارات أخرى. ولعلّ السعي مجدداً لنيل الدعم من الصناديق العربية لإنشاء معامل الكهرباء الذي أجهضته سابقاً بعض الأطراف السياسية لحساباتها الخاصة يشكل مخرجاً من الأزمة الكهربائيّة الراهنة".

ورأت ان "المقترحات المطروحة بالتوجه نحو الشرق وربط لبنان بدول وأنظمة تقع خارج المنظومة الدولية وبعضها يسير في الإتجاه المعاكس للتاريخ ويعيد إحياء عناوين مضى عليها الزمن مثل "تلازم المسارين" تصب في إطار السعي المنهجي لتغيير وجه لبنان القائم على التعددية والتنوع. وهو بمثابة انقضاض على رسالته التاريخية ودوره التلقيدي في إحتضان المعاهد والإرساليات والجامعات العريقة والمستشفيات ودور النشر ونوادي المثقفين والصحافة الحرة وفي أن يكون بوابة الشرق نحو الغرب، وهو توجه يفضي إلى تكريس الآحادية على حساب التعددية بما يماثل الأنظمة الشمولية المناقضة للديمقراطية اللبنانية التي تبقى، رغم كل عثراتها ولوثتها الطائفية والمذهبية، تشكل متنفساً للرأي الحر والعيش المشترك والشراكة والانفتاح والتحرر. إذا كان من المسلّم به ألا يكون لبنان قاعدة للتخريب على سوريا، ولكن من المحتّم ألا يلتحق لبنان بصورته الحضارية المتقدمة بنمط الأنظمة الشمولية التي يشكل النظام السوري أحد أبرز أمثلتها البائسة".

وشددت على "ضرورة وضع خطة إقتصادية ومالية ونقدية متكاملة تبنى على أرقام وحقائق واقعية وموحدة قابلة للتطبيق وصالحة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والهيئات الدولية وتتيح إعادة بناء الثقة بلبنان التي تصدّعت بشكل غير مسبوق وفاقمتها التباينات المريبة حول أرقام الخسائر وتفاوتها بآلاف المليارات من الليرات ما يعكس التخبط الحكومي وسياسات التردد والمحاباة وغياب الرؤية، وذلك بعيداً عن زحمة المستشارين، وأفكار بعضهم المنفصلة تماماً عن الاعتبارات الاجتماعية للأزمة وحصر المقاربات بالنواحي المالية والنقدية والرقمية. إن الالتزام بمعايير الحكم الرشيد والشفافية وإحترام الكفاءات التي يفاخر بها لبنان عن حق، باتت مقتضيات ضرورية ومن غير المفيد إدارة الظهر له".