كثرت خلال الأيّام القليلة الماضية الأحاديث والإشاعات عن إقتراب ​لبنان​ من حرب ضارية مع ​الجيش الإسرائيلي​. فهل فعلاً الأمور تنحُو بهذا الإتجاه؟.

الداعمون لفكرة قُرب إنفجار الوضع الأمني بين الجيش الإسرائيلي و"​حزب الله​"، ينطلقون من المُعطيات والأسباب التالية:

أوّلاً: إنّ الولايات المُتحدة الأميركيّة تضغط على لبنان، وعلى كامل "محور المُقاومة والمُمانعة" من خلفه، لعدم التجديد لقوّات الأمم المُتحدة العاملة في الجنوب، ما لم يتمّ تعديل مهمّاتها وتوسيع صلاحيّاتها، وهو الأمر الذي يرفضه كليًا "حزب الله"، ويُفضّل عليه إنسحاب القوّات الدَوليّة كليًا، إذا لزم الأمر، لأنّ تنفيذ عمليّات تفتيش ومُداهمات من دون مُرافقة ​الجيش اللبناني​ مَمنوع، شأنه شأن دهم أيّ مبانٍ سكنيّة.

ثانيًا: إنّ تنفيس الوضع الإقتصادي المُتدهور جدًا في لبنان حاليًا، لا يُمكن أن يتمّ من دون خضّة كبيرة، رُبما تكون على شكل مُواجهة عسكريّة واسعة، إنطلاقًا من القول الشعبي الشائع: "إذا ما كِبرت ما بتزغَر"!.

ثالثًا: إنّ الإدارة الأميركيّة تنوي توفير الغطاء السياسي والمَعنوي للسُلطات الإسرائيليّة، لتقوم بإعلان ضمّ الضفّة الغربيّة في المُستقبل القريب، وتحديدًا قبل إنتهاء ولاية الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في كانون الأوّل المُقبل. ومن شأن هذه الخُطوة أن تُفجّر الوضع الأمني في المنطقة، وقد لا يكون لبنان مُستثنى من الإرتفاع المُرتقب لمنسوب التوتّر إقليميًا.

رابعًا: إنّ القيادة الإسرائيليّة قد تجد الوقت مُناسبًا لتوجيه ضربة عسكريّة واسعة للبنية التحتيّة التي أعاد "حزب الله" بناءها منذ العام 2006 حتى اليوم، لأنّ لبنان يمرّ في إحدى أسوأ المراحل بتاريخه، والغطاء الشعبي لأي عمل عسكري في الجنوب مَعدوم، والضغوط الدَوليّة على الدولة اللبنانيّة وعلى "الحزب" في أوجّها.

في المُقابل، إنّ الرافضين لهذه الإشاعات، يَنطلقون من مُعطيات مُضادة مُتعدّدة، أبرزها:

أوّلاً: إنّ إسرائيل غير قادرة اليوم على شنّ أيّ حرب واسعة، بسبب الإنقسامات الكبيرة على مُستوى الحُكومة والجبهة الداخليّة، وهي إن قامت بإعلان ضمّ الضفّة الغربيّة–كما يتردّد، ستكون مَشغولة بمُواجهة إنتفاضة فلسطينيّة جديدة، ستنفجر داخل الكثير من الأراضي التي تحتلّها وتُسيطر عليها.

ثانيًا: إنّ "حزب الله" لا يرغب بدوره بالدُخول في أيّ مُواجهة عسكريّة مع الجيش الإسرائيلي في المرحلة الراهنة، ليس خوفًا من نتائج المعركة العسكريّة بحدّ عينها، إنّما خوفًا من الإرتدادات الإقتصاديّة والماليّة المُدمّرة التي لا بُد أن تترتّب عنها، والتي لا يُمكن للبنان وللشعب اللبناني تحمّلها في هذه الظُروف، بأيّ شكل من الأشكال.

ثالثًا: إنّ الضُغوط السياسيّة والإقتصاديّة الأميركيّة أثبتت فعاليّتها، في لبنان وسوريا و​إيران​ وغيرها من الدول، ولا نيّة أميركيّة في المرحلة الراهنة باللجُوء إلى أيّ خيارات أخرى، لا بشكل مُباشر ولا بالواسطة، أي عبر تحريض إسرائيل لخوض مُغامرة عسكريّة جديدة مع لبنان. وكلّ المواقف الأميركيّة تدلّ على أنّ الكباش الأميركي مع لبنان و"الحزب"، سيبقى قائمًا في المرحلة المُقبلة، لكن على المُستوى الإقتصادي حصرًا.

رابعًا: إنّ أكثر من دولة عربيّة وغربيّة لا تزال حريصة بالحفاظ على حدّ أدنى من الإستقرار الأمني في لبنان، لأنّ أيّ ثغرة أمنيّة وسط الظُروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيّون، قد تفتح الباب أمام إحتمالات أمنيّة خطيرة، يُمكن أن تؤثّر على المنطقة ككل، بسبب تشابك الملفّات المُتراكمة على الساحة اللبنانيّة، من اللاجئين الفلسطينيّين، مُرورًا بالنازحين السوريّين، وُصولاً إلى الإنقسامات السياسيّة والمَذهبيّة اللبنانيّة الداخليّة.

خامسًا: إنّ الخشية التي كانت قائمة بشأن الصراع على آبار ​النفط والغاز​ في البحر الأبيض المتوسّط، وبشأن مخاطر تداخل حُقول هذه المُشتقات الحيويّة بين لبنان وإسرائيل في ظلّ إستمرار الخلافات بشأن ترسيم الحُدود بين الطرفين، غير قائمة حاليًا، نتيجة تراجع أسعار المواد الأوّليّة المَذكورة، وإنتشار وباء كورونا، الأمر الذي أرجأ هذا الملف برمّته إلى مرحلة لاحقة.

في الخلاصة، ما يُحكى عن حرب قريبة مُحتملة بين لبنان وإسرائيل، لا يعدو كونه جزءًا من الضُغوط المَعنويّة على لبنان، وجزءًا من حملات التهويل والتيئيس التي تُلاحق الشعب اللبناني. وبالتالي، لا قلق من هذه الناحية-أقلّه مرحليًا، لكن القلق جدّي وقائم من نواح أخرى، وفي طليعتها الناحيتين الإقتصاديّة والماليّة، وحُكمًا من الناحيتين الحياتيّة والمَعيشيّة. وهذه المخاوف لا تحتاج إلى إثباتات ووقائع، بعد أن دخلت بشكل مَلموس ومَحسوس إلى منزل كل بيت لبناني تقريبًا.