تم في الآونة الأخيرة تحويل ​قطع الطرقات​ من وسيلة من وسائل الإحتجاج الى سلاح خطير تستعمله بعض الأطراف السياسية ل​تحقيق​ أهداف مضمرة، ولكنها أهداف باتت واضحة مع التدخلات الخارجيّة الوقحة لتأليب الناس على بعضها البعض، ولم تتورع عن استخدام أقذر أساليب الفتنة الطائفية والمذهبية لأجل هدف وحيد: إشعال البلد في وجه ​السلطة​ الحالية.

إن قطع الطرقات وخاصة الرئيسية منها قسّم اللبنانيين منذ بدئه في 17 تشرين الأول الماضي، وبغض النظر عن معالجة الأسباب والخلفيات والأهداف. نلاحظ أن قاطعي الطرقات يمارسون هذا الفعل للدعوة الى قيام ​الدولة​ وتطبيق القانون و​محاربة الفساد​. ولكن أين يقع قطع الطريق من الدعوة الى الدولة والقانون؟ يهتفون للجيش ويقدمون له الورود طالما بقي يتفرج عليهم. ولكن ما ان يبدأ بتنفيذ اوامر فتح الطرقات حتى تتحول الهتافات الى شتائم وحجارة. من يطالب بالدولة وحكم القانون عليه ان يلتزم به. وبالتالي عليه ان يعرف أن قطع الطريق العام دون إذن تظاهر هو جناية يحاسب عليها القانون، وحتى لو مورست في ارقى البلاد بل حتى ايقاف السيارة على شارع عام يستوجب مخالفة قانونيّة. فكيف وما يجري اليوم من اساليب مطورة ترقى الى مستوى الجرائم الموصوفة؟ بدأ قاطعو الطرقات يعمدون الى ايقاف سياراتهم في وسط الطريق ومغادرتها وأول من ابتدعها متظاهرو منطقة الزوق. ليتفوق عليهم لاحقا متظاهرو ​طرابلس​ الذين اوقفوا ​الشاحنات​ وطردوا سائقيها واخفوا المفاتيح!.

والبارحة تفتقت عبقرية متظاهري برجا عن ايقاف الشاحنات بنفس الطريقة ولكن اضافوا اليها تمزيق الاطارات حتى لا يمكن تحريكها قبل ساعات. وهذا ما حصل إذ امتدّت طوابير السيارات الى عدّة كيلومترات ولمدة قاربت 6 ساعات قبل تدخل ​الجيش​ وحل المسألة موقتا.

لقد اصبح واضحا، على الأقل لدى ​الثنائي الشيعي​ أن ​قطع طريق​ ​الجنوب​ و​البقاع​ هو عمل عدائي يستهدف جمهوريهما، وهذا ما ظهر جليا في الجولات السابقة من قطع الطرقات حين بدأ "الزعران" بطلب الهوية من المارة ل​تقرير​ من يسمح له بالمرور. ويستبطن في اهدافه استدراجاً نحو حرب مذهبيّة لطالما عمل لها وسعى ويسعى لها المحور الأميركي الخليجي. وأي مراقب لطريقة تغطية الإعلام الخليجي للأحداث اللبنانية والتصنيفات المذهبيّة التي يستعملها في تقاريره الإخبارية يدرك هذا الأمر مباشرة.

لا بد من التوضيح أنّ الطرقات الرئيسية الرابطة بين المحافظات تعتبر شريانا حيويا للفقراء من جميع ​الطوائف​ والمذاهب، خاصة مع إضطرار الآلاف من المواطنين الى هجرة العاصمة نحو الأرياف، واستمرارهم بالذهاب والإياب الى ​بيروت​ بشكل يومي لمتابعة اعمالهم.

ويكفي لتقدير كثافة السير على هذه الطرقات أن نلاحظ الطوابير الهائلة التي تتكون فور حدوث اي ​حادث سير​ عليها، فهذه الطرقات لا تحتمل دقيقة تعطيل واحدة. فمن المسؤول عن معالجة هذه المشكلة الخطيرة المتفجرة؟.

المسؤولية والمعالجات

تتوزع المسؤوليات على عدة أطراف في هذا المجال، وأول المسؤولين هو الدولة القائمة على تطبيق النظام، ويبدو انها لا تتعلم من التجارب الا ببطء شديد. فقد عمدت بداية الى الزج ب​قوى الأمن الداخلي​ للتصدّي لقاطعي الطرق رغبة منها في إضفاء طابع مدني على المشهد: متظاهرون وشرطة. ولاحقا، ونظرا لشراسة اولئك "​المتظاهرين​" اضطرت لإستخدام الجيش وقد نجح في مهمته نسبياً، ولكنه استنزف في الوقوف لساعات طويلة في الشوارع وتلقي الحجارة والزجاج، وتكبّده عشرات ​الإصابات​ في صفوفه وخروجها من الخدمة لأسابيع أو أشهر. ولقد اصبح واضحا أن الدولة لا تريد تجريم قطع الطرقات حتى لا تتهم بقمع الناس وحرية تعبيرهم. فما ان يدخل احدهم الى التوقيف حتى تسارع القوى السياسية الداعمة لقطع الطرقات الى اخراجهم ابطالا محمولين على الأكتاف.

ثاني المسؤولين هو ​حزب الله​ الذي سبق ووعد مناصريه مرارا بأنه لن يسمح بتكرار قطع الطريق، وهو المستهدف الاساسي بهذه الممارسة، دون ان يصل الى حلّ عملي لهذا الأمر. فهل يعقل أن يبقى الحزب الذي يوصف بأنه اقوى من الدولة وبأنه "صاحب" هذه ​الحكومة​ اسيراً لحوالي 20 أو 30 شخصا لا أكثر؟ عندما كانت ​وزارة الداخلية​ بيد ​تيار المستقبل​ كان مفهوما الى حد ما تقاعس الداخلية عن القيام بمهامها وتجييرها او بالأحرى ( توريطها) للجيش. فما الحجة اليوم لحكومة محسوبة على الحزب؟ الداخليّة مدعومة ب​فرع المعلومات​ الذي يتمتع بسيطرة استخبارية عالية على النقاط الساخنة محلّ البحث قادرة دون شك على اعتقال قاطعي الطرق والوصول الى مشغليهم لو صفت النوايا.

بعيد ​التفجيرات الإرهابية​ (2013) عمد حزب الله الى اقامة عشرات نقاط التفتيش على مداخل الضاحية (حوالي 200 مدخل)، فاضطرت الدولة الى النزول الى الساحة منعا للأمن الذاتي الذي لم يعجب "فصائل" ​14 آذار​، مما أدى إلى استنزاف ما لا يقل عن الفي عنصر امني من الجيش و​الشرطة​ و​الأمن العام​ على مداخل الضاحية وما زالوا حتى الآن.

الإحتكاك وارد في أي لحظة وعند سقوط ​ضحايا​ لا سمح الله لن تكون المعالجة ممكنة بسهولة.

ثالث المسؤولين هي البلدات الحاضنة لقاطعي الطرق، فلا تجد أي بلدية تؤيد قطع الطريق في نطاقها مهما كانت مسيسة، وعادة ترفض علنا قطع الطريق وتتبرأ منه، ولكن ما ان يعتقل احد ابناء البلدة بتهمة قطع الطريق حتى تلجأ البلدة الى الاحتجاج مجددا وتهب لنصرة ابناءها. إن استمرار البلدات المعنية بغض النظر عن تلك الممارسات المشينة، وخاصة التدقيق في هويات العابرين مؤخرا، سيؤدي حكما الى شرخ على المستوى الوطني والأهلي. كما حصل مع بلدة عرسال ايام سيطرة ​الارهاب​ عليها سيتتطلب الأمر سنوات طويلة لمحو ذاك الإنطباع من الأذهان. وأول الغيث ما بدأ اليوم على وسائل التواصل من إطلاق تسميات المعابر على البلدات التي يتم فيها قطع الطرقات والدعوات الواسعة للتصدي ب​السلاح​ لهذه الظاهرة المشينة.

الحل الأمثل سيكون من خلال الدولة وهذا الوقت، وفي ظلّ حكومة اللون الواحد سيكون مثاليا للتخلص من هذا الخطر المحدق بالوطن.

يجب سن قانون خاص جديد يؤكّد على عقوبة قطع الطرقات من أي جهة أتت لأنها موجودة أصلا بالقانون وتعزيز الجزاء فيها بالحبس ما لا يقل عن 6 أشهر لكل من يمارسها، وأضعاف المدة لمن يستعمل اسلوب التدقيق في الهويات لأنه تهديد حقيقي للسلم الأهلي وعودة بالبلاد الى الحرب الأهلية. هذا ليس ترفا بل مطلباً حيويا للناس أجمعين وجميع الفرقاء يرفضون علنا قطع الطرقات. فلتفرض القوى السياسية الحاكمة حاليا هذا القانون ما دامت قادرة، وبغير ذلك لا يمكن تصور حل سلمي لهذه المعضلة.