في العام 2009، فجّرت شركة أميركيّة تعمل في مجال الطاقة مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلنت اكتشاف كميّة ضخمة من احتياطي ​النفط​ والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط في منطقة جغرافية دقيقة قرب الحدود ال​لبنان​ية-ال​اسرائيل​ية، وفي ذلك التاريخ انفجرت أزمة ما يُعرف بالبلوك 9، وحدود لبنان البحريّة ومنطقته الاقتصاديّة، والتي تحاول الإدارة الاميركية اليوم إيجاد الحلول لها.

دون الدخول في تفاصيل الخطأ المقصود أو غير المقصود الذي قام به أحد رؤساء الحكومات السابقين، والذي أدّى لتخلّي لبنان عن مساحة كبيرة من حقوقه البحريّة، يجب الإشارة فقط الى أنّ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل، تبلغ 854 كيلومترا مربعا، وتضمّ كميّات ضخمة من الغاز. استمر النزاع اللبناني-الاسرائيلي حول هذه النقطة او المساحة لسنوات، ولكنه تصاعد في السنوات الثلاث السابقة، اذ قامت ​الحكومة اللبنانية​ في كانون الأول من العام 2017 بإقرار منح رخصتين للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 شمال لبنان، بعمق بين 686 و1845 مترا تحت سطح البحر، و9 جنوب لبنان، بعمق 1211 و1909 أمتار تحت سطح البحر من حصة لبنان في ​البحر المتوسط​ لشركات "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية، وبدأ العمل في البلوك 4 والذي أظهرت نتائج ​التنقيب​ فيه عدم وجود غاز بنسب تجاريّة، على أن يجري التنقيب في البلوك 9 في العام المقبل.

الجديد اليوم هو قرار الحكومة الإسرائيليّة، والذي نقله موقع "إسرائيل ديفنس"، التصديق على ​التنقيب​ عن ​الغاز​ في "ألون دي" وهو البلوك 72 السابق، الأمر الذي من شأنه أن يشعل النزاع مع ​لبنان​"، مشيرا الى ان "البلوك المذكور يقع بمحاذاة "البلوك 9" اللبناني الشهير، وفي قراءة قرار الاستئناف بخصوص رخصة "ألون دي" من العام 2017، يتبين ان ​الحكومة الإسرائيلية​ امتنعت على مدى سنوات، منح ترخيص للتنقيب في هذا البلوك بسبب الخشية من تفاقم النزاع مع لبنان"، مع العلم أن القرار الاسرائيلي عمره 5 أيام.

إذا، ترى مصادر نيابيّة في فريق ​8 آذار​ أن القرار الاسرائيلي هذا من شأنه رفع منسوب التوتّر في المنطقة الى الحدود القصوى، فملفّ ​النفط والغاز​ بالنسبة للبنان هو خطّ أحمر، مذكّرة بقرار ​المجلس الأعلى للدفاع​، الذي انعقد في شباط من العام 2018، والذي شدد على أن "اسرائيل معتدية على المنطقة الإقتصاديّة الخالصة للبنان بمساحة 860 كيلومترا مربعا"، مقدّما "الغطاء السياسي للقوى العسكريّة لمواجهة أيّ اعتداء على الحدود في البر والبحر".

ترى المصادر أنّ القرار الإسرائيلي الجديد، هو بمثابة إعلان حرب على لبنان، لأنّه وإن كان لا يتعلق بالبلوك 9 بشكل مباشر الا أنه يشكل سرقة موصوفة لحقوق لبنان المتنازع عليها معه، وبالتالي فإن العمل بالقرار قبل التوصل الى اتفاق حول الحدود، قد يكون مؤشرا سلبيا لما ينتظر المنطقة في الأشهر المقبلة.

لا تُخفي المصادر النيابية في 8 آذار قلقها من إمكانية اندلاع مواجهة عسكريّة مع اسرائيل، مشيرة الى أن القرار الإسرائيلي ربما يكون جزءا من حملة الضغط على لبنان لتسوية ملف الحدود البحرية، والدفع باتجاه القبول بالطرح الاميركي حول هذا الملف، علما أن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ وعد رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ بإنهاء هذا الملف قبل انتهاء ولايته، وبالتالي فإن القرار الإسرائيلي قد يكون في هذا السياق، مشدّدة على أنه يأتي في وقت تُعيد فيه ​السفيرة الاميركية​ في بيروت ​دوروثي شيا​ فتح ملف الحدود البحرية والتفاوض عليها، مع مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى، ولكنها تؤكد أن "لبنان لن يساوم على حقوقه في هذا الإطار، وسيتمسك بالحقوق كاملة، ومن واجب الدولة بأكملها أن تقف بوجه السرقة الإسرائيليّة".

اذا، يبدو أن عملية "تسخين" المنطقة مستمرّة، الامر الذي قد يؤدّي الى نتيجتين، إما إنفجار يفتح الطريق أمام التسويات، وإما تسويات تمنع حصول الإنفجار.