ضمن الموجات المتوالية من الفترات السيّئة التي تلاحق اللبنانيين، موجة جديدة برزت وانطلقت من الترويج لحرب مقبلة لن تتعدّى شهر تموز المقبل، بين ​حزب الله​ و​اسرائيل​. بداية هذه الموجة الجديدة التي ركبها العديد من اللبنانيين وغير اللبنانيين، ارتكزت الى عاملين اساسيين: الاول عامل "تنجيمي"، والثاني ما نقلته صحيفة "عكاظ" عن مصادر غربيّة. ولا بدّ من التوقف عند السبب الاول السخيف والساذج والمقيت، والذي للأسف تم الترويج له عبر ​وسائل الاعلام​، وهو نفض الغبار عن "منجّمة" تمّ اثبات عدم صدق ما تقوله مما تسميه "نبوءات" بشكل وثيق ودامغ وادّى الى اراحتنا من "تنجيمها" لفترة من الوقت، الى أنْ عادت مجدداً وباتت تحت دائرة الضوء. اما السبب الثاني، فكان لافتاً انه اتى عبر صحيفة خليجيّة وبالتحديد سعوديّة، ما يثيرالعديد من الشكوك حول صحّة كلام المصادر المذكورة.

على ايّ حال، وبغضّ النظر عن الاسباب والعوامل التي ادّت الى قيام هذه الزوبعة، وعلى الرغم من انّ الكثير من المحلّلين والكتّاب ادلوا بآرائهم حول الموضوع، واتفق غالبيتهم على انّ الحرب غير قريبة، هناك نقطة جوهريّة يجب الركون اليها عند كل حديث عن احتمال نشوبها على المدى الشامل، وهي: الكلفة الماديّة. فالجميع يعلم ويقرّ بأن ايّ حرب تحتاج الى ميزانية مالية ضخمة، اياً تكن اطرافها ولو كانت مدّتها الزمنية قصيرة، اضافة الى عوامل اخرى لا تزال غير متوفّرة بالطبع. وهنا يجب التساؤل عن الجهّة التي يمكن ان تموّل اي حرب مقبلة بين لبنان (او حزب الله) واسرائيل، هل هي ​الولايات المتحدة​ الاميركيّة التي تقبع تحت ازمة اقتصادية اطاحت بكل انجازات الرئيس الاميركي الحالي ​دونالد ترامب​ في هذا المجال وجعلته في وضع حرج مع اقتراب العدّ العكسي للانتخابات الرئاسيّة، وفي ظل تنامي نسبة البطالة بشكل سريع؟ مع الاشارة ايضاً الى ان ترامب معروف بعدم حماسته لدفع الاموال اكان من اجل حروب الآخرين ام لاي سبب كان، وهو قد يستمدّ المصادر المالية من دول اخرى، انما بالتأكيد لم يخطر في باله طوال فترة ولايته دفع قرش واحد من الخزينة الاميركية.

اذا كان الاعتماد على الدول الاوروبيّة، فحدّث ولا حرج، فهي تنوء تحت ثقل ازمة وباء ​كورونا​، وتداعياته على العامل الاقتصادي في كل القارّة العجوز، ولمن يشكك في ذلك، ما عليه سوى مراجعة مواقف وتصاريح المسؤولين الاوروبيين في اي دولة من القارة اكانت تنتمي الى ​الاتحاد الاوروبي​ ام لا، وسعيهم الحثيث للعودة الى الوضع الطبيعي والتعافي والنهوض مجدداً.

اما اذا كان الاعتماد على الدول العربيّة، ونعني بها ​الدول الخليجية​، فالوضع مغاير تماماً لما كان عليه منذ سنوات، فهذه الدول تحديداً باتت اقتصادياً على حافة الهاوية، واي مغامرة ماليّة غير مدروسة قد تعني بشكل جدّي، سقوط انظمة وأُسر حاكمة، ما يهدد الوضع الاقليمي برمّته. ولمن يتوهّم ان اسرائيل قادرة بالفعل على تخطّي ازمتها السياسية والعسكرية والصحية والاقتصادية ايضاً، فندعوه الى مراجعة حساباته لان التاريخ يؤكد عدم خوض اسرائيل لايّ حرب دون دعم مادّي خارجي ودون ضوء اخضر دوليّ وتأمين كميّات مضاعفة من ​الاسلحة​ كي لا تخسر من ترسانتها العسكرية ما تحتاجه لمواجهة ​الفلسطينيين​ في الداخل، وتهديدات وخطورة الخارج.

ومن الجهة المقابلة، لن يكون من السهل على ايران دعم حزب الله مادياً في المواجهة، في ظل ما تعانيه ايضاً من ضائقة اقتصاديّة جعلتها تعيش كل يوم بيومه لتخطّي المرحلة. ووفق ما تم ذكره، فإن العامل المادّي وحده كفيل باسقاط نظريّة الحرب، دون التطرّق الى العوامل الاخرى التي سبق وتمّ الحديث عنها في اكثر من مقال ورأي.

ان هذا المقال مبني على قراءة موضوعيّة، قد تصح وقد لا تصح، ولكنّها تبقى اصدق بكثير واكثر سهولة للتقبّل من سخافة بعض المنجّمين الذين لا همّ لديهم سوى توسّل الاضواء والشهرة، حتى ولو اتى ذلك على حساب صحة الناس وقلقهم. وحبذا لو يصدر قرار قضائي يقضي بمنع هؤلاء جميعاً من الحديث عن "خرافاتهم"، فيزيح القضاء بذلك همّاً كبيرا عن كاهل اللبنانيين.