بين إستقالة المدير العام ل​وزارة المال​ آلان بيفاني وما كشفه عن الوضع النقدي الخطير الذي وصلنا اليه وما ينتظرنا من أسوأ، والكلام الأخير منذ أيام لمديرة ​صندوق النقد​ الدولي ​كريستالينا جورجيفا​، الذي أكدت فيه عدم وجود أي سبب حتى الآن لتوقع حدوث انفراج للأزمة الاقتصادية في ​لبنان​ بسبب عدم إقرار الحكومة للإصلاحات المطلوبة، يمكن إستنتاج ما يلي: لبنان النقدي والمالي بات على شفير الهاوية كي لا نقول في الهاوية، وعلى رغم أن الحكومة غير مسؤولة عما حصل، فبسبب آدائها السيء ، يمكن توقّع كل الإحتمالات وبتنا بحاجة الى معجزة تضع حداً لتدهور الوضع.

أسوأ من النتيجة هو آداء الحكومة، فتخيّلوا مثلاً أن المشاركين في الجلسات مع صندوق النقد يقولون وبصراحة في مجالسهم الخاصة، إن ما قالته جورجيفا صحيح والحكومة لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة بسبب عدم الإتفاق السياسي عليها وهذا ما سيدفع أكثر فأكثر الى تأزيم الوضع، وتخيّلوا ايضاً أن جلسة واحدة من أصل 14 جلسة عقدت مع صندوق النقد، خصّصت لملف الكهرباء وقد طلب الصندوق خلالها تنفيذ سلسلة إصلاحات في القطاع الذي يكلف الخزينة سنوياً 2 مليار ​دولار​، أبرزها تعيين الهيئة الناظمة ومجلس الإدارة وإعادة النظر بتعرفة الكيلواط المحددة بتسعة سنت بينما كلفتها 14 سنتاً.

وإذا كان تعيين مجلس الإدارة قد وضع من قبل ​وزير الطاقة​ على طريق الإقرار في ​مجلس الوزراء​، فلماذا لم يتحرك بعد ملف تعيين الهيئة الناظمة ل​قطاع الكهرباء​ على رغم مرور 18 عاماً على إقرار قانون الكهرباء الذي يحمل الرقم 462؟!.

فمنذ أيلول من العام 2002 تاريخ صدور القانون 462 الذي ينظم قطاع الكهرباء، وحتى اليوم، لم تُصدر أي حكومة بعد مراسيمه التطبيقية، لماذا؟ لأنه تبيّن أنه غير قابل للتطبيق لناحية تضارب الصلاحيات والمسؤوليات بين وزير الطاقة والهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ولهذا السبب لم تعين بعد الهيئة المذكورة.

ففي العام 2011 إستفاق ​مجلس النواب​ من غيبوبته وتذكّر أن القانون 462 غير قابل للتطبيق، فأصدر القانون 181 الذي نص على تشكيل لجنة وزارية للنظر بتعديلاته، وذلك خلال مهلة 3 أشهر على أن تعيّن أيضاً خلال المهلة عينها الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.

وزارة الطاقة​ رفعت يومها التعديلات التي إتفقت عليها مع اللجنة الوزارية الى ​رئاسة الحكومة​ لكن الملف نام في الادارج. لذلك تقدم نواب ​التيار الوطني الحر​ عام 2012 بإقتراح قانون الى مجلس النواب يهدف الى تعديل القانون 462، فما كان بمجلس النواب إلا ان أرسله الى الحكومة لإبداء الرأي ولا يزال ​المجلس النيابي​ ينتظر رأي الحكومة، علماً أن خمس حكومات تعاقبت خلال هذه الفترة.

إذاً كقصة إبريق الزيت، هي رواية الهيئة الناظمة، التي يشكل تعيينها مطلباً إصلاحياً، وعلى رغم ذلك لا يدعو مجلس النواب الى جلسة لإقرارها ولا يسأل الحكومة عن رأيها بإقتراح القانون المقدم منذ سنوات لتعديل قانون الكهرباء، وكأن الحكومة ومجلس النواب باتا بحاجة الى صعقة كهربائية للخروج من الغيبوبة. يتعاملان مع الإصلاحات وكأن لبنان مخيّرا بين إقرارها وعدمه او كأننا نملك الوقت الكافي للتأخير والنكايات السياسية.