هل ​السلطة​ في بلدنا، أينما يكونون في ​الحكومة​، خلف الحكومة، في المعارضة، أو في الاختراع الذي يسمّونه حكومة وفاق وطني، برهنوا للناس والتاريخ مدى كرههم ل​لبنان​...

كرههم للوطن رأيناه أمام عيوننا يخترق ​تظاهرات​ الشعب المغلوب على أمره، ليحرق ويكسّر أملاك البلد والناس مثلما عوّدتمونا في تاريخكم الطويل لمّا سبق ودمّرتم لبنان.

كلما طالبَ إنسان موجوع من بلدنا بحقّ من حقوقه تتحدثون لنا عن مؤامرات.

مؤامرات ضدّ من؟

ضدكم؟

هل انّ أحداً من هذا الشعب المنهوب في أبسط حقوقه وفي جنى عمره، قادر على التآمر عليكم؟

أكيد لا.

شكّلتم له حكومة ادّعيتم أنّها آتية ل​محاربة الفساد​...

تحارب الفساد... ولكنها حتى اليوم لم تقلّع!

فلا قَدِرت على ضبط الحدود... ولا قدرت على وقف التهريب...

كل المواد الحيويّة المدعومة من مال الشعب، من طحين ومازوت وعملة صعبة، صارت أرباحاً مالَ حلال لعصابات التهريب... وكلفتها على ​الشعب اللبناني​ كلّه...

ولا قدرت على ضبط غلاء المواد الغذائيّة.

ولا قدرت على الكشف عن فاسد واحد.

ولا جرّبت ان توقف لعبة ​المحاصصة​ في ​التعيينات​.

ولا حققت حلولاً للكهرباء، ولاستقلالية ​القضاء​، وللالتفاف على المناقصات...

والأهمّ انها حتى اليوم بما تزال غير قادرة على إعادة الثقة ب​الليرة​ ووقف جنون ​الدولار​ والعملات الصعبة.

حكومة آتية لتحارب الفساد بدلاً من أن تعترف بعجزها، أفهمتنا أنّ هناك مؤامرة عليها لترفع الحِمل عن ظهرها.

لم يقل أحد انّ هذه الحكومة تسبّبت بكل هذا الفساد أو أنها مسؤولة عن أسباب تدهور العملة الوطنيّة. لكنّ الحكومة حمّلت نفسها مسؤولية «ما طلعت قدّها»، لا بل تخلّت عن صلاحيّاتها وتركت نقابة الصرّافين تتجاوز دورها المتعلّق بالحقوق النقابيّة وتمارس دور الحكومة في التعاطي مع المواطنين. اليوم نقابة الصرّافين هي التي تحدّد لك كم مرّة تستطيع أن تسافر في ​السنة​، وكم دولار تستطيع أن تصرف من «مصريّاتك» في الشهر، مثلما سبق لها أن اتّكَلت على تعاميم صادرة عن حاكم ​مصرف لبنان​.

وفي النتيجة بتنا البلد الوحيد في ​العالم​ الذي للدولار فيه أسعار عدة: بـ1515 ليرة حسب ​البنك المركزي​، و3850 ليرة إذا كانت حساباتنا بالدولار، وفي السوق السوداء اليوم بـ8 آلاف ليرة، وقريباً يمكن ان يفوق الـ 10 آلاف ليرة.

إنّ الذي يتخلّى عن صلاحياته مرّة يتخلّى عنها كلّ مرّة... ولهذا فلتت من يد الحكومة مسائل كثيرة يمكن ان يكون أبرزها اليوم اللغط الناتج من قرار قضائي يتناول سفيرة ​أميركا​ في لبنان.

لولا غياب الحكم وأدواته عن هذه المواضيع الحساسة ما كان لقاضي العجلة أن يتجاوز حدود سلطته القضائيّة ويسمح لنفسه بإصدار قرار يستهدف جهة ديبلوماسيّة تتمتّع بحصانة دوليّة في هذه الظروف الصعبة ويتناقض مع حريّة الإعلام و​تاريخ لبنان​ المشرّف مع هذه الحريّة على رغم من كل الصعوبات.

بين ​الفقر​ والخوف والقلق على المصير والخسائر الكبيرة التي تلحق ببلدنا يوماً بعد يوم، وأمام تفريط الحكومة بصلاحياتها وتخلّيها عن دورها التنفيذي، وأمام عجزها عن الإصلاح الموعود، بقي لنا أن نقول:

يا أهل السلطة في بلدنا... عبّرتم عن مشاعركم... عملتم ما عَملتموه ببلدكم... أوصَلتمونا الى مكان إذا طلبنا فيه من الله أن يسامحكم يمكن الله ما يسامحنا على هذا الطلب.