منذ ان ظهر التباين بين ​لبنان​ والعدو الإسرائيلي بشأن حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة للبنان، امتنعت إسرائيل عن الاقتراب من المنطقة التي يتمسك بها لبنان ويصر على أنها جزء من حقوقه خشية من ردة فعل ​المقاومة​ ولم تفلح الوساطة الأميركية رغم مضي أكثر من 6 سنوات على انطلاقاتها لم تفلح في حل الخلاف حول المنطقة المتنازع عليها والبالغة مساحتها 862كلم2.

الخلاف اللبناني الإسرائيلي هذا فاقمه أيضا ​العدوان الإسرائيلي​ على 13 منطقة حدودية جنوبي خط الحدود الدولية مع ​فلسطين​ المحتلة، التي تطمح إسرائيل لإسقاطها وإعادة ترسيمها مجددا بما يكسبها مساحات تحتلها الأن وتدعي خلافا للحقيقة والقانون بانها مناطق متنازع عليها، وهي ليست مطلقا محل نزاع لان اتفاقية بوليه نيوكمب نهائية وحاسمة وتؤكد بان هذه المناطق لبنانية بدون أدني شك وبهذا اعترفت ​الأمم المتحدة​ في العام 2000 وعلى هذا جرى التحقق من الاندحار الإسرائيلي من قبل لجنة برئاستي في ذاك العام.

بيد ان المطامع الإسرائيلية لا تقتصر في لبنان على البحر وما فيه او الحدود البرية ومناطقها ال 13 المعتدى عليها بل تشمل أيضا ​الحدود اللبنانية السورية​ حيث ضمت إسرائيل وبدعم أميركي ​مزارع شبعا​ اللبنانية إلى ​الجولان​ السوري وضمت اليها كامل المنطقة مضافا اليها ​الغجر​ اللبنانية وبعض المساحات في ​العباسية​ والنخيلة ما جعل الحقوق اللبنانية موضع المطامع الإسرائيلي تصل إلى 862كلم2 في البحر، و25مليون متر مربع جنوبي خط الحدود الدولية مع ​فلسطين المحتلة​ و42كلم2 في مزارع شبعا والغجر.

وترى إسرائيل ان القانون الدولي لن يوفر لها أي فرصة لنيل شيء مما تطمع به، فقانون البحار يعطي الحق للبنان في البحر واتفاقية بوليه نيوكمب المصادق عليها دوليا تثبت حدوده مع فلسطين بشكل نهائي لا يغير في نهائيته ما أقدم عليه ​ترامب​ في خريطته المرفقة برؤته للسلام تلك الخريطة التي أغفلت الحدود وعملت بخط هدنة مؤقت، وأخيرا الاتفاقات اللبنانية السورية حول مزارع شبعا التي تؤكد لبنانية المزارع.

ولان القانون بكل قواعده نصا واتفاقيات دولية يمنع إسرائيل من نيل ما تطلب، فان إسرائيل تعود إلى منطق القوة الذي هو في الأصل أساس نشأتها، ولكن إعمال منطق القوة ضد لبنان بعد العام 2006 بات بالحس الإسرائيلي العملي والتجريبي متعذر بسبب معادلة الردع الاستراتيجي التي فرضتها المقاومة التي يقودها ويمارسها ​حزب الله​. أضف إلى ذلك ان وجود المقاومة وحلفاؤها في ​السلطة​ اللبنانية بات من شانه ان يمنع أي حكومة في لبنان من التنازل لإسرائيل مهما كانت الضغوط الأميركية. ما يعني ان إسرائيل وصلت في مواجهة لبنان إلى الحائط المسدود لان القانون لا يعطيها حقا والمقاومة تحرمها من استعمال القوة لاغتصاب ما تريده. وباتت إسرائيل أمام فرض من اثنين: أما ان تخضع لقواعد القانون وتتخلى عن أطماعها، او ان تزيل عقبة حزب الله لتعود وتستند إلى منطق حق القوة وتغتصب ما تريد إما باتفاقية إذعان وإما بفرض ميدانيي تنتجه الحرب.

وفي السنوات الأخيرة راهنت إسرائيل على الحرب الكونية على سورية لتفكيك محور المقاومة و إسقاط حزب الله ، لكن الحرب استنفدت مراحلها و لم يتحقق شيء مما تمنت ، و راهنت على استراتيجية الضغوط القصوى ضد محور المقاومة بما فيه ​ايران​ و سورية و ​حزب لله​ ، و لمست في الأسابيع الأخيرة نوعا من الجنون الأميركي ضد لبنان عامة و حزب الله خاصة ، و ظنت ان ما كتبته صحيفة الواشنطن بوست الأميركية من ان "لبنان يتجه إلى الانهيار و البؤس و الجوع " ، انه كلام سيتحقق ، و نظرت بارتياح إلى سلوك سفيرة ​أميركا​ في لبنان السلوك الخارج على كل قواعد القانون الدولي العام و اتفاقية فيينا التي تنظم السلوك و العلاقات الدبلوماسية بين الدول ، و كانت غبطتها شديدة عندما لمست الانقسام اللبناني العامودي و الحاد حول أداء تلك السفيرة ، و كونت من كل مشاهداتها صورة جعلتها تظن بان فرصة اتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة لبنان قد حانت ، فسارعت إلى استغلالها و اتخذت في مجلس وزرائها قرارا بالسماح ب​التنقيب​ عن ​النفط​ و ​الغاز​ في المناطق المتنازع عليها مع لبنان و تحديدا في البلوكات 8 و9 و10 من تلك المنطقة اللبنانية .فألى أين سيقود هذا القرار ؟

في البدء لا بد من ان التأكيد ان حسم النزاع على حدود المنطقة الاقتصادية من جانب واحد هو عملا غير مقبول خاصة اذا جاء من طرف لم يوقع قانون البحار كما هو حال إسرائيل ، كما ان قبول لبنان الرسمي بالأمر الواقع الإسرائيلي المفروض هو امر غير مقبول و غير متوقع ، وبالتالي يكون على لبنان ومن اجل حماية حقوقه ان يتصرف بكل ما هو متاح له من مسالك ويلج كل ما يمكنه ولوجه من أبواب، وتأتي في طليعة تلك الوسائل الدبلوماسية بما فيها اللجوء إلى الأمم المتحدة وهيئاتها وكذلك اللجوء إلى طرف ثالث من الدول التي تدعي صداقة لبنان وفي طليعتها أميركا.

بيد أننا لا نثق بكل تلك المخارج فالتجارب علمتنا أنها عقيمة و يكفي ان نتذكر ان تحرير ​الجنوب​ لم يتم بالقرار 425 الذي بقي 22 عاما طي النسيان ،و لولم يكن هناك مقاومة لكان احتلال الجنوب مستمر , ما يعني ان على لبنان ان لا يركن ألا لقوته المشكلة من الجيش و المقاومة التي يحتضنها شعب متمسك بحقوقه ، و هذا تعرفه إسرائيل و سمعته اكثر من مرة من قائد المقاومة الذي و بكل وضوح انذر إسرائيل بالرد على أي عدوان على المنطقة الاقتصادية في الحدود التي ترسمها لها ​الدولة اللبنانية​ ، فهل ان إسرائيل المطلعة على هذا الموقف تسعى إلى هذه المواجهة باتخاذها قرار التنقيب ؟

إسرائيل تعرف ان المقاومة لا تهدد استعراضيا، وأنها قادرة على المواجهة ولكنها كما يبدو تظن ان ​سياسة​ الضغوط القصوى والحصار الخانق ومحاولات الفتنة مع احتمالات الحرب الأهلية الشاملة في لبنان ستمنع المقاومة عن الرد او ستشغل المقاومة عن هم الجنوب لتدافع عن نفسها وعن بيئتها في الداخل ما يوفر لإسرائيل فرصة العمل من جانب واحد وهي فرصة لا تتكرر وتكون إسرائيل اتخذت قرارها محدوة باحتمال من ثلاثة:

1. جس نبض لبنان للوقوف على ارادته وقدرته على الرد. ولأنه لا يعنيها ولا تهتم بكل ما هو سياسة ودبلوماسية فان إسرائيل ستراقب ردة الفعل في الميدان من قبل ​الجيش اللبناني​ وحزب الله ومقاومته بتنسيق او من غير تنسيق مع ​الحكومة​. فاذا لمست الجدية اللبنانية في اللجوء إلى القوة فأنها ستجد لنفسها مخرجا يجنبها المواجهة التي قد تطور إلى حرب لا تريدها الأن.

2. الضغط على لبنان وهو في حالة التردي القائمة والانهيار، الضغط عليه للذهاب إلى مفاوضات غير متكافئة لفرض التنازل عن حدوده البرية وأعادة ترسيمها والتنازل عن مزارعا شيعا والغجر والتنازل عن 500كلم2 على الأقل من المنطقة الاقتصادية الخالصة.

3. استدراج لبنان ومقاومته إلى حرب تندلع إذا ردت المقاومة على العدوان، حرب تظن إسرائيل ان ظروفها باتت مؤاتية لها مع استشراء ​الإرهاب​ الاقتصادي الأميركي واستراتيجية التجويع للتركيع، فتستدرج لبنان إلى حرب تحمل المقاومة فيها مسؤولية اندلاعها وإلالة الإعلامية الصهيواميركية المتكئة على الداخل اللبناني باتت جاهزة لهذا الأمر، لكن إسرائيل كما قلنا ونكرر لن تدخل الحرب ألا بعد ان تطمئن إلى اهتراء الداخل اللبناني والفتنة الجاهزة للانفجار لأشغال المقاومة عن الهم الوطني الكبير.

وعليه نرى القرار الإسرائيلي بالتنقيب على النفط داخل المنطقة الاقتصادية اللبنانية قرارا بالغ الخطورة يستدعي من لبنان اعلى درجات الحذر والحكمة والحزم في التعامل لان تداعياته مفتوحة على كل الاحتمالات من البسيط في ​السياسة​ إلى الخطير في الحرب وبينهما صيانة الحقوق او هدرها ورغم انخفاض احتمال الحرب فعلى لبنان ومقاومته ان يستعدوا لكل ذلك خاصة في الأشهر التي تفصلنا عن تشرين ثاني المقبل موعد ​الانتخابات الأميركية​.