بات من الواضح أن مصير ​الأزمة​ ال​لبنان​ية مرتبط بتطورات التفاوض الأميركي الإيراني على مستوى المنطقة، المتعلق بشكل أو بآخر بموعد الإنتخابات الرئاسية في ​الولايات المتحدة​، التي بات يحتاج فيها الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ إلى إنجاز على المستوى الخارجي، يستطيع أن يستثمره في ظل تراجعه على المستوى الداخلي، نتيجة التداعيات الإقتصادية التي ترتبت عن أزمة إنتشار ​فيروس كورونا​ المستجد، الأمر الذي سمح برفع أسهم منافسه المرشح الديمقراطي ​جو بايدن​.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم التطورات المتسارعة على الساحة المحلية، التي بدأت من خطاب أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، الذي حمل فيه ​واشنطن​ مسؤولية الأزمة الإقتصادية التي تواجه البلاد، الأمر الذي لم تتأخر الولايات المتحدة في الرد عليه، على لسان أكثر من مسؤول رفيع المستوى، بالتأكيد على أن الحزب هو من يتحمل مسؤولية الواقع الذي وصل إليه لبنان، على قاعدة أن ​طهران​ تفضل تأخير أي إتفاق إلى ما بعد الإستحقاق الإنتخابي الأميركي، وفق معادلة تقوم على فرضيّة أن الرئيس الديمقراطي سيكون أقل تشدداً.

في هذا السياق، تقرأ مصادر متابعة، عبر "​النشرة​" إستعجالا أميركيًّا لوضع الملف اللبناني على طاولات المفاوضات، بالتزامن مع رفع مستوى الضغوط إلى الحدود القصوى، سواء من خلال الخروج العلني إلى توجيه الإتهامات إلى "حزب الله" أو من خلال تحريك ملف ​التنقيب​ عن ​النفط​ في المنطقة الحدودية من جانب ​الحكومة الإسرائيلية​، خصوصاً أن المسؤولين الأميركيين كانوا قد ألمحوا، قبل صدور القرار الإسرائيلي، إلى أن الكرة اليوم في الملعب اللبناني، وبالتالي معالجة الأزمة المالية ترتبط بالإتفاق على ​ترسيم الحدود​ البحرية، ثم بدء التنقيب عن ​الغاز​ في البلوكات الجنوبية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، بات من الواضح أن واشنطن تريد جر الجانب اللبناني إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات، قبل إنتهاء ولاية ترامب، مع العلم أن الأخير كان قد وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ بإنجاز ملف ترسيم الحدود قبل الإنتخابات المقبلة، وهي تريد الإستفادة من الواقع الداخلي الضاغط على "حزب الله"، نتيجة تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، بالتزامن مع إرتفاع الأصوات الداخلية التي تحمله المسؤولية عن الواقع الراهن، الأمر الذي يفتح الباب لطرح أكثر من سؤال حول قدرة الحزب على تأمين صمود الساحة المحليّة إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، المقررة في شهر تشرين الثاني المقبل.

وسط هذه الأجواء، تشير المصادر نفسها، الى الحديث عن الجهود الفرنسية التي تبذل لتأمين تسوية مرحليّة على الساحة اللبنانية، لم تظهر معالمها حتى ​الساعة​ لكن يراد لها أن تكون على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، إلا أنّ عدم التوصل إلى أيّ نتيجة، في وقت قريب، يعطي فرضية زيادة مستوى التصعيد في الأشهر المقبلة، الدعم القوي، التي يسعى خلالها الحزب إلى الرد عبر طرح مشاريع التوجه شرقاً، التي دعمت من الجانب الصيني في المواقف العلنية، مع العلم أن بكين هي من القوى التي تفضل أيضاً تأجيل التفاوض مع الولايات المتحدة إلى ما بعد الإستحقاق الإنتخابي الأميركي، لا سيما بعد الإتهامات التي وجهت إليها من جانب ترامب بالمسؤولية عن إنتشار فيروس كورونا المستجد.

في المحصّلة، الساحة المحلية مفتوحة على جميع الإحتمالات في المرحلة المقبلة، خصوصاً في الفترة الفاصلة عن ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​، على وقع إرتفاع مستوى المواجهة إلى الحد الأقصى، بالتزامن مع تفضيل العديد من القوى المحلية تحييد نفسها أكبر قدر ممكن، وسعي بعض الجهات الأوروبية إلى محاولة ضبط إيقاع التصعيد بشكل يحول دون خروج الأمور عن السيطرة.