مر الكلام ذي الحسام يقطع مكان ما يمرّ أما المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضرّ والكلمة دين من غير إيدين بس الوفا عل الحرّ» أحمد فؤاد نجم

سمعت البروفسور الموضوع على ​رئاسة الحكومة​ وهو ينتفض على وضع معيب وصلنا إليه، وهو وضع دائم كنّا فيه منذ فجر التاريخ. يعني الوضع الديبلوماسي غير السوي ولا المتوازن في العلاقة مع الدول الأخرى. ما قاله وكيل رئاسة الحكومة هو أنّ حكومته، ربما، سكتت كثيراً على ممارسات ديبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية حرصاً على الصداقات والعلاقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف في العلاقات الأخوية والديبلوماسية!

ويا سلام، ماذا بعد، فما عليك إذاً إلّا أن تنتفض وتُصحّح الأمر وتكيل لخارقي الأعراف بالمكيال ذاته. لكن لو تتفضّل وتعلن بالفم الملآن عن هؤلاء الأصدقاء والأخوة الذين خرقوا تلك الأعراف، بدل اللجوء إلى المواربة والتعميم الذي يُخفي عادة ​العجز​ عن الإفصاح، إمّا لجُبن أو عجز. والجبن والعجز لا يمكن أن يكونا من صفات رجال الدولة.

لا يجب أن يظنّ البروفسور المهندس أنني أحاول استدراجه لوقفة عز، فالأمر ميؤوس منه، فمَن هو قادر أو فاهِم لِما هي وقفات العز لما كان قَبِلَ بأن يُنَصّب في نصبة على الناس اسمها رئاسة وزراء اختصاصيين. لكن من الواجب تفنيد الكلام حتى لا يبقى مبهماً. فكما قيل اليوم، يفهمه سفير ​إيران​ بغير ما تفهمه سفيرة ​أميركا​، ويفهمه سفير ​الصين​ بغير ما يفهمه سفير روسيا، كما هو الحال بالنسبة للسعودية و​الإمارات​ و​تركيا​ و​فرنسا​ و​صندوق النقد الدولي​. فكلام البروفسور ليس بروفسور الكلام، ولكنه تعبير صارخ عن الدرك الذي وصلت إليه حالنا اليوم.

السؤال اليوم الذي لن يجيب عنه البروفسور، هل المقصود بالموضوع هو إيران؟ وهي التي تحتلّ ​لبنان​ بقراره السياسي والأمني وبخراب بيته الاقتصادي من خلال فيلق من حرسها الثوري؟ أم أنّ المقصود هو سفيرة أميركا التي يهدد بلدها أمين عام الميليشيا الإيرانية الذي يهدد ويتوعّد بلدها في كل مناسبة خطابية يُتحفنا بها؟ أم أنّ المقصود هو ​السعودية​ مثلاً لأنها تقول انّ الميليشيات اللبنانية الإيرانية تهدد أمنها من خلال ​اليمن​؟

المؤكد هو أنّ البروفسور يعرف بالضبط ما يجب أن يقوله، ويعلم بالتحديد مكامن الخطر وكيف يمكن التخفيف من وَقعه، لكنّ الساكت عن الحق شيطان أخرس. نعم أنا أنتفض غيظاً لأنّ السفراء يتكلمون عنّي أنا اللبناني الذي يعاني من كَون ما قالته سفيرة ​الولايات المتحدة الأميركية​ دقيق وصحيح، ويمكن إضافة المزيد عليه. وأنا أعلم عِلم اليقين، بغضّ النظر عمّا هو حق أو باطل، بأنّ الخلاص لا يمكن أن يبدأ إلّا بزوال عبء الميليشيات الإيرانية عن لبنان، وذلك ليس استجابة لا لِما تُمليه أميركا، ولا السعودية، بل هو مصلحة الناس القابعين في بيوتهم وغير قادرين على ​الهجرة​، رازحين تحت وطأة الفاقة والتهديد الدائم بعزّة أنفسهم وكراماتهم. ما تطلبه أميركا اليوم هو مطلب لبناني وليس تحدياً ولا تعدياً، لكنّ الإهانة الدائمة هي في كون قرار ​الحكومة اللبنانية​ ينسج في غرفة سوداء للحرس الثوري في إيران. ومن أجل هذا كان على البروفسور المهندس أن ينتفض ويضع النقاط على الحروف، وبعدها فليَقل عن حق «هيهات منّا الذلة»، أم انّ ابتلاع اللسان هو الأسلم؟ ما يُحيّرني اليوم هو ما قاله وزير خارجيتنا يوم استدعى ​السفيرة الأميركية​ على خلفية مزحة المازح، وليس على خلفية تصريحاتها. وبعد أن سمعت تصريحها بعد اللقاء وتحدثها بشكل إيجابي عمّا دار، أظنّ أنّ فحوى الكلام الذي قاله هو «أرجو من حكومتكم أن لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا».