على وقع تفاقم الأزمتين الإقتصادية والمالية في ​لبنان​، جاءت الدعوات للبحث عن الخيارات البديلة من خلال التوجّه شرقاً، التي طرحت فيها عنوانين أساسيين، الأول هو ​الصين​ أما الثاني فهو ​إيران​، في حين كانت قد سبقت تلك الدعوات أخرى إلى إعادة التنسيق مع ​الحكومة السورية​، بوصفها بوابة لبنان البرية الوحيدة نحو ​العالم العربي​.

وسط هذه الأجواء المعقدة، التي كانت تطغى عليها حالة من التردد على المستوى الحكومي، جاءت زيارة الوفد الوزاري العراقي إلى لبنان، في الاسبوع الماضي، بعد إعادة فتح مطار ​بيروت​ الدولي أبوابه، التي حملت معها مؤشرات إلى تعاون ممكن بين البلدين وفق صيغ متعددة، عنوانها الأساسي، على المستوى المحلي، الإستفادة من ​النفط​ العراقي مقابل تصدير المواد الغذائية والصناعية.

من حيث المبدأ، العلاقات اللبنانية العراقية قائمة منذ سنوات طويلة، والتعاون بين البلدين على المستوى الإقتصادي ليس بالجديد، في حين أن الواقع السياسي في الدولتين، لا سيما في المرحلة التي تلت سقوط الرئيس الراحل ​صدام حسين​، يسمح بتعزيز هذا الأمر، خصوصاً أنهما يعانيان من المشاكل والهموم نفسها، إلا أن ما ينبغي التوقف عنده هو الترابط بينهما لناحية صراع النفوذ الإقليمي والدولي، ف​الولايات المتحدة​ حاضرة في ​بغداد​ كما هو الواقع في بيروت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، وهنا قد تكون النقطة الأساسية التي ينبغي التوقف عندها.

الحوار العراقي اللبناني على هذا الصعيد، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"النشرة"، لا يزال في بداياته، لكنها تشير إلى أنه واعد ومن الممكن الرهان عليه لعدة أسباب، بعيداً عن حديث البعض عن إمكانية حصول عرقلة من هنا أو هناك، وتؤكد بأن ل​واشنطن​ مصلحة في عدم عرقلة هذا المسار، نظراً إلى أن إحتمال العرقلة يعني فتح الباب، أمام لبنان تحديداً، للذهاب بعيداً في خياراته، التي قد تكون نتائجها أصعب بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

في هذا الإطار، تلفت هذه المصادر إلى أن ما يعني واشنطن هو 3 مسارات أساسية، في ما يتعلق بتعاون لبنان مع أي جهة خارجية أخرى، هي المساعدات التي قد تحصل عليها ​المؤسسة العسكرية​، و​القطاع المصرفي​، وعالم الإتصالات، الأمر الذي جرت الإشارة إليه في الأيام الماضية من قبل أكثر من مسؤول أميركي رفيع المستوى، في سياق التحذير من التعاون مع الصين، وترى أن إمكانية العرقلة الأميركية لخيار التعاون مع بغداد، ستعني دفع بيروت إلى البحث عن خيارات أخرى، أبرزها ​طهران​، لا سيما مع إرتفاع مستوى الضغوط التي تمارسها تحت عنوان محاصرة نفوذ "​حزب الله​".

على الرغم من ذلك، ترفض المصادر نفسها الحديث عن تسوية سمحت بفتح أبواب التعاون بين البلدين، نظراً إلى أن مصير هذا التعاون لم يتّضح بعد، لكنها في المقابل تؤكد أن واشنطن قادرة على العرقلة في حال أرادت ذلك، لا سيما أن رئيس الوزراء العراقي ​مصطفى الكاظمي​ ليس بعيداً عنها، لا بل هو من المحسوبين عليها، بالرغم من توليه منصبه نتيجة إتفاق أميركي إيراني، وتدعو إلى إنتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة على هذا الصعيد.

زيارة الوفد العراقي، بحسب المعلومات، كان قد سبقها تواصل مع رئيس ​الحكومة العراقية​، ساهم في تأمينه مدير عام ​الأمن العام​ ​اللواء عباس إبراهيم​، وقبل ذلك كان هناك تواصل بين الكاظمي وأفرقاء في قوى الثامن من آذار خلال مرحلة الإتفاق على تكليفه، في حين أن رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ سبق له أن زار بغداد في العام الماضي.

بالنسبة إلى إحتمال أن تكون بوابة العرقلة ​قانون قيصر​ الأميركي، الذي يفرض ​عقوبات​ على الحكومة السورية والجهات المتعاونة معها، تؤكد المصادر المطلعة أن هذا القانون لن يكون هو ​العقبة​، حيث من الممكن أن تطلب الدولتين إستثناءات من جانب واشنطن، بالتزامن مع التواصل مع الحكومة السورية من أجل تقديم تسهيلات معينة، لا سيما بالنسبة إلى كلفة نقل ​الصادرات​ اللبنانية نحو بغداد، وهو ما تدرك واشنطن أنها لا يمكن أن تقف عائقاً أمامه.

في المحصّلة، يمكن وصف الخيار العراقي بأنه بمثابة الممرّ الآمن خلال مرحلة الحصار، الذي يمنع الوصول إلى مرحلة يكون فيها لبنان مضطر على الذهاب إلى خيارات أخرى، من الممكن أن تكون من وجهة نظر واشنطن متطرفة، لكن هل يكفي لوحده لمنع الذهاب إلى تلك الخيارات؟.